صالح الشايجي
«محمد الوشيحي» جعل الكتابة فعلا مضادا للرصاص وللصوص وللظنون!
تظن به ظنا فيخيب ظنك، لا لأنه يريد أن يخيّب ظنك، ولكن لأنه ماض بقلمه الى حيث وجهته، وفي الطريق الى تلك الوجهة يثير من حوله الظنون والريب، ولكنه لا يتوقف لشرح موقفه أو سلامة مقصده أو بياض وجهته، بل يتجاوز ذلك كله ولا يتوقف الا حين ينشب السهم ببغيته!
حينذاك تعتذر من نفسك عن سوء ظنك بهذا «الوشيحي»!
قبليا كبيرا تظنه، فتكتشف أنه كويتي كبير، ودّع خيمة القبيلة دون أن يكسر عمودها، أو ينحر جمالها، أو يجفف ضروع نوقها، أو يحرق كلأها أو يردم غدرانها!
علق القبيلة في ذاكرته، واكتفى بذلك، لم يجعلها «كعبة» يدور حولها أو يلتمس شفاعتها حين حاجة!
وركز عصا تسياره في حاضرة الوطن، تسرّب داخل قلبه، لا ليغرف من هذا القلب - قلب الوطن - بل ليرعى دقاته، يتفحصه، يراعيه، يسهر، يداوي، يحمي!
ناطورا على بوابة الوطن جعل قلمه، لم يَغش الكتابة من أجل أن يرص الحروف على الحروف، أو يكتب جملا مفيدة، اسمية كانت أو فعلية - فهو ليس من قوم تناسلوا من ظهر «سيبويه» أو «الفراهيدي»، بل هو كاتب نسج خطوطه على مغزل الكتابة الفاعلة، الجميلة في تراكيبها اللغوية، دون أن يأخذ اذنا من سدنة اللغة، هل أنصب هذا؟ أم أرفع ذاك؟!
نفسه طويل، لا يغضب ولا يعتب ولا يبتعد، يملك زمام السخرية الجادة التي تنأى به أن يكون «هُبلَ» تطوف الناس حوله في جاهليتهم ولا يرون سواه وأخويه «اللات» و«العزى»، بل هو من ذلك النوع الساخر والهجّاء الذي ينتسب الى «الحطيئة» في الهجاء، فهجاء النفس ليس ثمة ما يحول دونه.
لم يكتب لتصفق له الأيادي أو ليلوّح للجماهير المصطفة على طرقاته، تنتظر التفاتة منه، أو يوقع لها «الاوتوغرافات» بل كتب لأن الكتابة نادته، فالكتابة تلجأ لمن جاء من رحمها حيث يكثر «الواغش» من حولها، وحين تزمع التطهر.