صالح الشايجي
لم يكن ذلك في السنة الاولى للهجرة، ولا ايام الخلفاء الراشدين، ولا في الدولة الاموية، ولا ايام الدولة العباسية ولا العثمانية ولا الفاطمية ولا حتى ايام المماليك!
بل ان ذلك حدث في القرن الخامس عشر الهجري وفي يوم الجمعة التاسع عشر من شهر ذي الحجة لعام 1428، ولم يكن ذلك الحدث في مكة المكرمة ولا في يثرب او الكوفة او بغداد او الاستانة، بل وقع في الكويت المدنية القائمة على النظام الدستوري الديموقراطي، والتي ينص دستورها على المساواة بين البشر جميعا دونما تفرقة بسبب اللون او الدين او الغنى او الفقر.
اما الحدث، فهو خطبة جمعة في احد مساجد هذه الدولة العتيدة.
سمعت الخطبة بأذني الاثنتين، وبالتأكيد فإن تسجيلها موجود لدى وزارة الاوقاف، وعلى الذين فاتهم سماعها ويحبون ان يستزيدوا «علما» منها الاتصال بوزارة الاوقاف التي لن تقصر معهم وستزودهم بتلك الخطبة العصماء المجلجلة المجحفلة المؤللة الراجمة الصواريخ والمحملة طيور ابابيل حجارتها السجيلية رجما باليهود والنصارى و«اهل البدع» اضافة الى بقية الاديان.
اما الخطيب الاعصم صاحب الخطبة العصماء فإن فحوى خطبته ومتنها وهوامشها وكل حرف فيها يصر إصرارا مغلظا على ان اولئك جميعا «كفار» وعلى رأسهم «اليهود» و«النصارى» و«اهل البدع»، اما ان سألتموني عن «اهل البدع» وحسب ما فهمته من الخطيب الاعصم المعصم، فهم «الشيعة» واصحاب المذاهب الاسلامية الاخرى غير «السنة».
ما هزني وانا اسمع تلك الخطبة التي اخترقت الآفاق لتصلني حيث انا، هو اصرار الخطيب على كفر اليهود والنصارى واهل البدع دون ان اعرف لماذا؟ وما هي المناسبة؟ فهل تقدم اليه احد يستفتيه في ايمان تلك الاقوام؟ بالتأكيد لا، ولكن تطوع من تلقاء نفسه لفتح باب جهنم وحشر تلك الاقوام بها دونما مناسبة. اما اذا تحجج صاحب الفضيلة بأن ذلك منصوص عليه بالكتاب والسنة ولم يأت بشيء من عنده، فإن ذلك لا يمحو قوامة السؤال عن المناسبة والسبب، على افتراض ان الناس المصلين الساعين اليه يعلمون ذلك بحكم ايمانهم ومداومتهم على قراءة الكتاب والسنة، وهو ليس اعلم منهم بدينهم، فضلا عن ان القضية غير مطروحة للنقاش حتى يفتي بها فضيلته ويعيدها للناس، ولن يفيد الناس في شيء كفر اولئك الاقوام او ايمانهم، اضافة للعبارات المسيئة والجارحة التي حفلت بها خطبته الكريمة.
هل يعقل ان يتم هذا في دولة مدنية دستورية ديموقراطية؟ ومتى؟ في القرن الحادي والعشرين! إن الامامة مسؤولية اخلاقية وانسانية، فما ذنب اولئك المصلين الذين أصابتهم عبارات ذلك الخطيب الذي
لا أدري كيف يتم السماح له بإمامة الناس والخطبة فيهم؟!
فهل من يتحرك لوقف تلك الفوضى؟
لا أظن!!