صالح الشايجي
اختطفت السياسة كتّابنا وكتاباتنا، وتحوّلنا – نحن الكتّاب – إلى دقاقي دفوف ونافخي مزامير في موكب السياسة. عيوننا لا تستقر على مشهد معيّن، بل تتراقص هنا وهناك إلى حيث يمشي وزير أو يعطس نائب، وآذاننا لم تعد تطرب إلا لسماع صوت سياسي يعزف منفردا أو ضمن جوقة صاخبة!
هل هذا هو دور الصحافة وكتّابها؟! أليست الصحافة هي صاحبة الجلالة؟! فلماذا تركنا تيجاننا وتخلينا عنها لنضعها فوق رؤوس الساسة؟ وتوزعنا فرقا وشيعا متناحرة متنافرة تشعل الحروب انتصارا لهذا السياسي أو قتلا للآخر؟!
وفي خضم هذه الحروب تلاشت لغة الصحافة الراقية ونسي البعض أصولها وراحوا يتقاذفون ويتشاتمون فيما بينهم، أو فيما يشنونه من حروب ضد بعض الساسة حتى تدنت لغة الحوار والخطاب وسادت لغة «العواير» والشوارع، وكأنما هم صبية ضالون في أزقة متربة!
ليت سادتي الكتاب الصحافيين المحترمين، يعون دورهم الحقيقي ويعلون من شأنهم وشأنه وشأن الصحافة، والتي هي أنقى المرايا وأصدقها، وهي السيف الصقيل لقص شأفة الباطل، فيترفعون عن مستنقع السياسة ووحل الساسة الذين استطاعوا تحويلهم إلى أتباع ومناصرين ودقاقي دفوف في مواكبهم، أو أعداء وخصوم شرسين بعداوة وضغينة وقلوب لا تحمل صدقا بقدر ما يشتعل فيها الحقد الأسود المدمر لصاحبه قبل أن يمس الخصم.
إذا كانت الحكومة هي المهيمنة على الوضع في البلاد وفي يديها مقاليدها، وإذا كان مجلس الأمة هو الرقيب على الحكومة، فأنتم يا أهل الصحافة الرقيب على الرقيب، أنتم تراقبون وتحاسبون وتكشفون! فلماذا تطفئون عيونكم وتكسرون تيجان مملكتكم، لتصبحوا أجراسا تدق في مواكب أهل السياسة؟!
دعوا السياسيين وشأنهم، وبالذات من هم في مجلس الأمة الذين استمرأوا شتائمكم وصاروا يشربونها كل صباح بهناء وتلذذ حتى باتوا يتكدرون إن لم يجدوا قوافل الكتاب تقرع رؤوسهم بوابل من حجر الكلام، ما يدفعهم إلى اقتراح قوانين قراقوشية مضحكة لمجرد استفزازكم وإعادتكم للسير في الموكب!
أنتم أيها السادة الكتاب أعلى قامة ومقاما من أهل السياسة فلا تتدنوا ولا تتنازلوا ولا تسترخصوا أقلامكم.