صالح الشايجي
مع حليب الصباح وحكايات الجدات ما قبل النوم وفي المدارس والاحتفالات والمناسبات و«اللامناسبات»، شرّبونا مقولة «العقل السليم في الجسم السليم»، فشربناها سائغة تلذ للشاربين، ونال بها أساتذة التربية البدنية شهادات الدكتوراه وصاروا من وراء تلك المقولة عباقرة وفلاسفة لهم «الصدر دون العالمين»!
كل مدرس رياضة كان يهينني في صغري لأنني لا أجيد «اللعب» و«القفز» و«الجري»، كان يختتم عباراته «التويجيهية» و«التربوية» تلك، بمقولة «العقل السليم في الجسم السليم» والتي مازالت تتردد وبغباء محكم من قبل البعض، ومازال البعض يصدقها!
ولأن «الثأر لا يبيت في صدري» واحمل في قلبي حقد «الجمل بما حمل» فقد رحت – على كبر – أتأمل صحة تلك العبارة، فاكتشفت انها كاذبة وغبية و«بنت شوارع»!
اكتشفت ان كثيرا من العباقرة وذوي العقول السليمة بل والأكثر من «السليمة» العبقرية والمبدعة، هم ليسوا ذوي أجسام سليمة، ومن أصحاب العاهات الجسدية!
لم يكن – مثلا – «أبوالعلاء المعري» الفيلسوف والشاعر والأديب وحجة زمانه، ذا «جسم سليم»، بل كان أعمى، ومع هذا فقد كان يقود قافلة الفلسفة والشعر والأدب ومازال نوره وهّاجا ومازالت عبقريته تشع رغم موته قبل مئات السنين!
و«طه حسين» كان أعمى وما كان ذا «جسم سليم» وهو الذي قدّم نظريات في الأدب العربي وقاد قافلة التعليم وجدد وطوّر وأصبح «مالئ الدنيا وشاغل الناس»!
«فهد العسكر» و«صقر الشبيب» شاعرانا المبدعان في زمن الجفاف والتصحر والفاقة كانا – أيضا – فاقدي البصر!
العبقري «بتهوڤن» الذي جعل الأفئدة – لا الآذان – مهوى الموسيقى، كان أصم، والعالم العبقري في عصرنا «ستيفن هوكنج» والذي يعتبر خليفة «اينشتاين» لم يغادر – عمره – كرسيه المتحرك! وشبابنا من ذوي الاحتياجات الخاصة حققوا أعلى المراكز في حقول الرياضة رغم انهم لم يكونوا من ذوي الأجسام السليمة!
فيأيها القوم لا تأخذوا «الحِكَم» على علّاتها، فقد تكون ضالة مضللة!