قيل: «وقوع الشر خيرٌ من ترقبه» أنا شخصيا لا أوافق على هذه المقولة ولا أسلم بصحتها كاملة، وإن كنت أيضا لا أرفضها رفضا باتا قاطعا، وأرى أنها تحمل في طياتها شيئا من الحقيقة.
في هذه الأيام تغلي بعض المدن العراقية وأغلبها مدن الجنوب والوسط، حيث خرج الناس إلى الشوارع وتظاهروا رافضين واقعهم الذي يعيشونه، ومنددين بالفساد الذي ينخر جسد بلادهم وتسبب في تعطيل الخدمات في مدنهم، وأدى إلى تفشي البطالة، بل ووصل الأمر بالبعض إلى أن يفتشوا في حاويات القمامة عما يسد رمقهم ويبقي على حياتهم.
يجري ذاك في بلاد هي من أغنى بلدان العالم بما تحويه أرضها من ثروات كالماء العذب المتدفق في نهرين والزراعات المتعددة والنفط، فضلا عن السياحة والتاريخ والآثار والمزارات الدينية وغير ذلك من جالبات للثروة.
ما يعنيني في هذا الأمر إلى جانب تعاطفي الإنساني مع إخوتنا العراقيين، هو زعم البعض من انعكاسات الوضع العراقي علينا في بلادنا بحكم الجيرة بين بلادنا والعراق من جهة جنوبه المشتعل. فقد راح هذا البعض وبالذات ممن يسمون أنفسهم محللين سياسيين، يهوّلون الأمور وينفخون فيها ويثيرون غبار الحكي من حولها، منذرين محذرين من انعكاسها الحتمي على بلادنا مردفين بأننا مقبلون على أيام سوداء وأنه سيحل علينا ما لا تحمد عقباه وما لا عين رأت ولا أذن سمعت!
هنا أستعيد المقولة التي بدأت بها هذه المقالة: «وقوع الشر خير من ترقبه»، فالوضع المأساوي الذي حذرتنا وأنذرتنا منه تلك الحفنة من «دهاة» التحليل يجعلنا نتمنى وقوع الشر الموعود الذي أرعبنا ترقب وقوعه قبل أن يقع.
إن إثارة البلبلة بين الناس ونشر الذعر بينهم أمر خطير، لا يجب على عاقل إشاعته وترويجه، لأن مثل هذه الأعمال المنافية للأخلاق، تعود بالشر على الناس الذين قد يدخل في روعهم مثل هذه التخويفات فتؤثر عليهم سلبيا وربما تؤذيهم جسديا أيضا.
ولا أدري ما الفائدة من ترويج مثل تلك التوقعات المتشائمة وما مردودها على البلاد وعلى الناس، ولا أرى إلا أنها شر مستطير.
إن الحكومة هي المخولة بإدارة الأمور واتخاذ الاستعدادات والاحتياطات المطلوبة، وبالتالي فليس من داع لبث تلك التخويفات، ولا يجوز التعيش والتكسب على حساب أمن الناس. عيب!
[email protected]