هي امرأة من الريف المصري، امرأة مسنة بسيطة وهي أم وجدة، تحمل ملامحها الهادئة عذوبة الإنسان وطهره وتدل على نقاء معدنها وصفائها.
هذه الإنسانة بكل ما تحمل من تلك الصفات، وبوداعتها وطيبتها، كانت ضحية لشياطين الأرض.
جاءتها من كانت تعرف شغفها ورغبتها الجامحة في أداء مناسك العمرة، وكانت فتاة من سكنة الجوار، وادعت أن هناك محسنا يريد أن يقوم بعمل خيري على شكل إرسال عدد من غير القادرين على تحمل نفقات العمرة على حسابه الخاص، ورشحتك يا «حاجة سعدية» من بين مستحقي هذه المنحة.
فطارت الحاجة فرحا وشاركها أهل بيتها، أبناؤها وبناتها وأحفادها، هذه الفرحة الهابطة من السماء على أمهم التي تتحرق شوقا لزيارة البيت العتيق.
وسارت الأمور على خير لولا!
لولا حقيبة، كان الوسيط وهو شقيق الفتاة التي حملت بشارة العمرة إلى الحاجة سعدية، قد طلب من الحاجة سعدية أخذها معها لإيصالها إلى شخص سيأخذها منها عقب وصولها المطار السعودي.
كانت تلك الحقيبة مليئة بالمخدرات وبالطبع تم احتجاز السيدة الطيبة في السعودية وابتدأ التحقيق معها وطال وتشعب لأن الأمر ليس سهلا، فجرائم جلب المخدرات وتهريبها هي من الجرائم الخطرة والتي تصل عقوبتها حد الإعدام.
وقضت السيدة العجوز ما يزيد على الشهر محجوزة على ذمة القضية حتى يكتمل التحقيق تخللتها زيارات كثيرة للمستشفى بسبب تردي حالتها الصحية نتيجة الظرف الذي تعيشه.
تحولت قضيتها إلى قضية رأي عام في مصر وخرجت مظاهرات لاسيما في قريتها التي تعرفها جيدا وتعرف نقاءها وطيبتها تؤكد براءتها، وحتى المحققون السعوديون تعاطفوا معها، ولكن ما العمل فالقانون هو القانون.
وتم القبض في مصر على الشيطان الذي حملها الحقيبة الملغومة الملعونة وأخته التي سعت للإيقاع بالحاجة سعدية وأغرتها بالمنحة الخيرية التي ستحقق حلمها دون أن تدفع قرشا.
وبعد استكمال التحقيق وظهور براءة الحاجة سعدية تم الإفراج عنها وعادت إلى مصر لتستقبلها الجماهير الغفيرة في المطار، ولتغدو الحاجة سعدية رمزا طاهرا لضحايا الظلم وفي الوقت ذاته نموذجا للعدالة والإنصاف.
وصارت الحاجة سعدية «أم المصريين».
[email protected]