أتمنى في البدء أن يتوصل قارئ هذه المقالة إلى الهدف من وراء كتابتها.
فأنا أدعو فيها إلى عزل الدنيوي عن الديني والأرضي عن السماوي، في الأمور التي لا بد فيها من عزلهما عن بعضهما، والتي يكون الخلط فيها وجمعهما معا يشكل ضررا دنيويا وكذلك ينطوي على إساءة للدين.
إن جعل المسجد وحده هو المدرسة الأخلاقية والإنسانية التي ننشئ عليها أبناءنا، يدخل في هذا المحظور الذي قصدته بخلط الدنيوي بالديني، ذلك أن المسجد دار عبادة ومحل اتصال العابد بمعبوده وليس دار تنشئة وتربية وتعليم إلا في حدود ما يتصل بالدين بل ولب الدين لا قشوره ولا حواشيه ولا يدخل في هذا تفاسير المفسرين واجتهادات المجتهدين وآراء الأئمة وفتاوي المفتين وحوادث سالفات من قرون لن تنفع إعادة ذكرها أحدا من السامعين، على اعتبار أن حدوثها حقيقة وليست نسجا من خيال ومن أجل غرض ما في وقتها.
إن البيت في الدرجة الأولى مدرسة أخلاقية ذات قواعد صلبة لا بد أن ينشأ الطفل فيها في مناخ أخلاقي يرعاه إلى جانب الأبوين جهات متخصصة في معاونة الوالدين على التربية الصحيحة للطفل في أعوامه الأولى، وهذا معمول به في الدول المتقدمة، فمثلما يتم الاهتمام بصحة الطفل البدنية من خلال برنامج صحي متكامل يتضمن مواعيد مراجعة الأطباء والتطعيمات وما إلى ذلك، فإنه لا بد من برنامج موازٍ للتنشئة الأخلاقية للطفل.
ثم يأتي بعد ذلك دور المدرسة والتي يجب أن تعزز الجانب الأخلاقي لدى الطفل من خلال مناهج مدروسة تغرس في الطفل مفاهيم الحياة الحقيقية وقيم الخير وحب الآخر والرغبة في التعايش مع الجميع وتعزيز قيم الإنتاج الإنساني وإشاعة روح الإخاء.
إن التركيز على الدين وحده كمربٍ ومؤدب للإنسان هو لا شك خطأ كبير وتحميل الدين ما لا يحتمل، ومما يورث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله: «أنا أدرى منكم بشؤون دينكم وأنتم أدرى بشؤون دنياكم» وهذا عتق للناس من الارتباط الكلي بالدين في كل شؤون حياتهم وفيه رخصة للاجتهاد الآدمي سواء في شؤون التربية والتنشئة الأخلاقية وهي ما قصرنا عليه حديثنا في هذا المقال وأيضا في شؤون الحياة العامة.
[email protected]