قوتنا الناعمة تتآكل وتتناقص، جرفها الزمن تجريفا وأكل التخلف جوفها.
قوتنا الناعمة في موسيقانا وفنوننا وأغانينا ومسرحنا وشعرنا وأدبنا ورياضتنا ومثقفينا ومحدثينا وكتابنا.
كانت ساحتنا الكويتية تعج بالمبدعين من كل صنف وفي كل مجال، وكان لنا صوت مدوّ في محافل متعددة وفوق منابر مزدهرة. فصرنا بعد ذاك العز في يابسة عجفاء شحيحية، شح فيها حتى السراب، ولا تعدنا ولو بشربة كاذبة.
لن أسرد أسماء نجوم تلك المرحلة فهذا أمر عصيّ علي وعلى كل من يحاول إحصاءهم لكثرتهم ولتعدد المنابر التي اعتلوها والحقول التي أعشبت بوجودهم فيها، ولكنني سأقصر كتابتي في ثلاثي سطا على الوجدان الكويتي وتغلغل فيه وتوغل وتربع هناك بما أبدع.
«ساهر» «مرزوق المرزوق» «محمد المسباح» هذا الثلاثي خلق وابتدع وأبدع.
«ساهر» شاعر أغنية كويتي متفرد، أجلى مفردات كويتية وجاء بها من جب النسيان فجلاها وغدت كعروس بهية المحيا ساطعة كشمس، تتلذذ الألسن بترديدها، مشكلة صورة شعرية خالبة للألباب.
«لا يا حنيني لا تردني صوبه
لا تجبر الخطوة تمشي بدروبه
يمكن إهو مرتاح
في بعده متهني
يمكن تناسى وراح
صار ف غنى عني»
هذه الكلمات صاغها الموسيقي الكبير الراحل «مرزوق المرزوق» صياغة موسيقية كويتية وألبسها ثوبها الكويتي الذي لا يليق بها غيره، ولم يستعر لها ثوبا من حياكة الآخرين، ولم يجنح بعيدا بل غاص في جوف الكويت الفني واستحضر من فنون الأقدمين وبنى عليها لحنه الرائع كمثل ألحانه الأخرى، وكأنه أعلن نفسه حارسا للمخزون الفني الكويتي.
وشدا بتلك الكلمات دانة الكويت «محمد المسباح» وصدح بها وكأنه ينسج من آهاته أشرعة لسفائننا المبحرة.
لقد تعاضد هذا الثلاثي المبدع وأنتجوا أكثر من عمل وكلها تصطف في موكب الخلود الغنائي.
أكتب ذلك وأنا في حسرة على ما آل إليه الحال في بلادنا التي عقمت وما عادت تنتج مبدعين ولا خلاقين، واكتفت بإنتاج الفاسدين والمفسدين والسراق والكذابين والمنافقين والمتخلفين الذين صاروا هم سادة الساحة وأصحاب النهي والأمر، والحكومة المسكينة تلهث وراءهم تريد إرضاءهم حتى تبقى متربعة على العرش.
فلبئس هم ولبئست هي.
وعظم الله أجرنا.
[email protected]