بعد ما يزيد على خمسمائة عام، كان فيها اسم «كريستوفر كولمبس» يحظى بالتكريم والاحترام والتبجيل على اعتبار أنه أحد المكتشفين الكبار وسيد من سادة البحار تكللت اكتشافاته باكتشافه للقارة الأميركية، يتم نسف كل ذلك وتتغير صورة ذلك الإنسان من مكتشف وبطل وأمير البحار، إلى نصاب ومجرم وقرصان وقاتل.
هذا ما جرى فعلا لـ «كولمبس» بل وأكثر من ذلك تمت إزالة تمثاله من مدينة لوس أنجيليس الأميركية وقرروا عدم الاحتفال به كما جرت العادة طوال الفترات السابقة.
أين الحقيقة، هل هي في كونه مكتشفا وعالما وبحارا فذا وسيدا من سادة البحر، وهذا ما عرف عنه وما حفظه له التاريخ، أم في كونه نصابا ومدعيا ومجرما وقرصانا وليس هو من اكتشف القارة الأميركية؟!
تعتبر فترة «كولمبس» سواء التي عاشها أو التي أعقبت وفاته قريبة نسبيا 500 سنة وخلالها تقدمت البشرية كثيرا وتجوهر فيها العلم وأنتج بدائعه واختراعاته واكتشافاته وسادت فيها الآلة وتسيدت، وهذا الواقع الجديد سهل حفظ الوقائع والتدوين والاقتراب من الحقيقة والتأكيد عليها، ورغم ذلك فإننا إزاء مشهدين لشخص واحد، مشهد يمجده ويعلي من شأنه، ومشهد مناقض يحط من قدره ويضعه في صف المجرمين والقتلة والنصابين.
ما استوقفني في قضية «كولمبس» هو مواجهة الذات والاعتراف بالخطأ والشجاعة في التراجع عنه دونما حساسية ولا انقياد للإرث التاريخي إذا ما ثبت أنه مزور وكاذب.
وفي المقابل، نرى في إرثنا العربي والإسلامي ما يشبه حالة «كولمبس» حيث تكرست صور نمطية لأشخاص معينين على أنهم أبطال أو قادة أو زعماء أو حتى أصحاب مكانة دينية بارزة يستحقون معها التبجيل والتقدير والذكر الدائم وتطلق أسماؤهم على كثير من المنشآت بل وتسمى مدن ومناطق بأسمائهم، رغم أن هناك من أبطل سيرهم الكريمة الجليلة الجميلة وأثبت عكس ما قرّ في الأذهان عنهم وما حملته بعض الكتب عن سيرهم الحميدة المبجلة.
الفرق بيننا وبين من نسف سيرة «كولمبس» واعترف بصورته الجديدة والمغايرة للسابقة أنهم أكثر شجاعة وواقعية منا، فنحن نضفي صفة التقديس على الماضي وأهله حتى وإن اكتشفنا خواءه وفجاجته وفجاجتهم.
وذلك هو الفرق!!
[email protected]