تحدث أحد شهود العيان العراقيين واصفا مشهدا إنسانيا يكاد يكون أسطوريا فقال:
إنه وفي عام 2004 وبعد إسقاط نظام صدام حسين، تم فتح القبور الجماعية التي دفن فيها نظام صدام حسين آلاف الجثث التي قتلها وتم دفنها عشوائيا ودون تحديد أسماء المتوفين.
وكانت في هذه الأثناء امرأة عراقية قروية، تجول مع الفريق الفني الفاحص، وكانوا يسألونها ماذا تريدين من وجودك هنا، وكانت تقول أبحث عن ابني، فيردون عليها باستحالة معرفة ابنها وقد غدا ترابا ورميما بمضي الوقت وتراكم السنين على دفنه، ولكنها كانت مصرة على البقاء ومصرة أكثر على أنها سوف تتعرف عليه لا محالة.
مجموع الجثث يزيد على 3600 جثة موزعة على ثلاث مقابر واسمها مقابر المحاويل، ويضيف الشاهد أنه وفي المقبرة الثالثة وعدد الجثث فيها 920 جثة وبينما كان نبش القبور واستخراج الرفات جاريا، فإذا بالمرأة تصيح فجأة وتحتضن رفات أحد القبور وتقول هذا ابني هذا ابني وهي تبكي، ما دعا جميع الموجودين إلى البكاء متأثرين بحالتها التي كانت عليها.
العقيد «إدوارد» الإنجليزي وكان قائد الفريق الفاحص لفت نظره تشبث المرأة وتصميمها بتأكيد أن هذا الرفات هو رفات ابنها، وقرر التأكد من هذا الأمر المحير، فلجأ إلى المركز الطبي المتقدم لإجراء فحص الـ« d n a» للتأكد من نسبة صاحب هذا الرفات لهذه المرأة، وكانت المفاجأة حين ظهرت النتيجة ليكون هناك تطابق كامل بين هذه المرأة ورفات ذلك المتوفى، وهذا ما يؤكد صحة إحساسها بأن هذه الرفات هو رفات ابنها.
حالة محيرة فعلا، قد نتباسط ونتساهل معها ونقول إنه إحساس الأمومة أو قلب الأم كما نقول كلما رأينا مشهدا تجيش فيه عاطفة الأمومة وتفيض فيه عواطف الأم، ولكن هذا المشهد الذي تتعرف فيه أم على رفات ابنها بعد موته بما يقارب الخمسة عشر عاما وبعد تحلل الجثة وانعدام أي ملمح من ملامح المتوفى هو فعلا أمر محير.
باعتقادي أن المولود هو جزء من الوالدة (الأم)، لذلك فإن هذه المرأة وبمثل ذلك المشهد هي تعرفت على نفسها أو على جزء منها.
هي حادثة جديرة بالدراسة من أجل تفسيرها.
[email protected]