بلدة طيبة ورب غفور، ثم ولي أمر حنون، يعفو عند المقدرة، وكأن حاله يقول لهم: إن كانت هي زلة للبعض، وللبعض الآخر أكبر من ذلك بكثير فاعتبروها مرحلة طائشة أغواكم بها الشيطان، مثلما أغوى نبي الله آدم وأخرجه من الجنة، واعلموا أن حياتنا تمر بمراحل مختلفة كتقلبات المناخ، رعد، وبرق وأمطار وصقيع وثلوج وعواصف وزوابع ثم ربيع وأزهار ونسيم عليل، في كل مرحلة يقي الإنسان الصالح نفسه من شرورها بالوسيلة المناسبة. وبذلك عاش الإنسان وقاوم الفناء والانقراض. ما سبق عوامل خارجية، بينما للسلوك البشري مراحل (طفولة ومراهقة وعنفوان ثم رزانة وحكمة) لكل مرحلة فترة زمنية، وسلوك يختلف من إنسان لآخر، وهنيئا لمن تأتيه مرحلة الرزانة والحكمة مبكرا.
في جزيرة العرب هناك مثل مشهور فيه حكمة، وذوق، وكرم ضيافة، تفوح منه رائحة القهوة والهيل والقرنفل، وتسمع صهيل الخيل، وشعر المتنبي:
الخيل والليـل والبيداء تعرفنـي
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
من هذا الجو العروبي الأصيل ولد هذا المثل: «ما بعد العود.. قعود»، وهو مثل صريح وحازم، يختم المقال والمقام، وينهي الحالة دون رد أو استئناف، وحتى يعرف هذا الجيل عادات وتقاليد أجدادهم، فحين يأتي ضيوف الى شخص يقدم لهم كل واجبات الضيافة وزيادة، وكلما أرادوا المغادرة يجبرهم على استكمال واجب الضيافة، إلى أن يأتي كالعادة بالطيب والبخور. فيستغل الضيوف هذا المثل بقولهم:
«خلاص عاد.. ما بعد العود.. قعود»
وهنا لسان حال الشعب الكويتي يقول لـ«بعض» من تم العفو عنهم: «ما بعد ها العفو.. عفو».
ومسك الختام هو قول الله عز وجل: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، فالله سبحانه بدأ بكلمة «العفو»، ثم يأتي «الصلاح» ثم كسب «الأجر».. لذلك لابد من الإصلاح، بداية من إصلاح النفس، وتطهيرها من أحلام الشياطين، فالوطن هو الحياة، ولا حياة كريمة بلا وطن، وتذكروا ان كل البشر تتوارث «الندم» ندم أبينا آدم على غلطته الوحيدة التي أخرجته من الجنة، فلا نكررها، ونفقد نعمة الوطن السعيد، فإبليس لم يمت، وشره مستطير، فاحذروه.
وتذكروا نعمة العفو، وأصلحوا ذات بينكم، لينال الجميع الأجر والثواب من الله، فالله خير حافظا، وبالشكر تدوم النعم.
[email protected]