ترددت بالكتابة في هذا الموضوع خوفا من أن تكون ظاهرة طبيعية فتسود، لكن طبيعتنا وما تربينا عليه نحن أهل الكويت من تواصل وتراحم ومودة توارثناها من آبائنا وأجدادنا في العسر واليسر، لابد أن تتغلب وتسود على كل ما يبثه ويسعى إليه شياطين الجن والإنس.
هذا الأمر الغريب بدأ يتنامى شيئا فشيئا في نفوسنا، ويعشش في أفكارنا منذ فترة بسيطة، وكان محصورا فقط بالممارسة الديموقراطية بكل أشكالها، هذا المرض، فيروسه إبليس، عدو الله وعدونا، داء يعجز الطب والصيدلة في إيجاد علاج له إذا استفحل، إنه «البغضاء والكراهية» التي تنخر بالقلوب والعقول، وتقتل الحب والمودة والتسامح بين الشعوب، وتزرع الضغينة بالبشر، لقد ظهرت فيروساتها أثناء ممارسات مجلس الأمة بداية من الانتخابات وحتى تحت قبة البرلمان وخارجه، كنا نعتقد أنها تنتهي بانتهاء كل جلسة، لكنها انتشرت انتشار الدخان بالجو، أو كالنار بالهشيم، وفرقت بين المرء وأخيه، والأب وبنيه، بل ازدادت بفعلها الخصومة بين مكونات الشعب.
كنا نعتقد أنها أعراض للديموقراطية، والآثار الجانبية لها، وتشابهت علينا الأمور، كما تشابهت «كورونا» والإنفلونزا، فتساهلنا، فزادت الحالة سوءا بشرارات الألفاظ والصراخ، فانتشر وباؤها خارج أسوار الديموقراطية، لم ينفع معها لبس الكمامات، بل بإجراءات التباعد ومنع الزيارات والمناسبات، وإقفال دواوين الخير من تواصل وتراحم، وغسيل وتطهير للقلوب والعقول وجدت مرتعا لها بالنمو والتكاثر، فبعد أن عاثت بالديموقراطية، أصابت بعدواها المجال الرياضي، وأخذت تسرح وتمرح، وتقطع أوصال «الروح الرياضية»، وما حدث بعد مباراة الكأس يوم الثلاثاء الماضي هو من شواهد وعلامات الإصابة بوباء «الكراهية والبغضاء» بالقلوب، كشفها «مايكروسكوب» وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر وغيره» من كتابات وألفاظ غريبة على مجتمعنا وعاداتنا.
إن أخلاقنا وشيمنا تفخر وتعتز بكمية التقدير والاحترام لكبارنا فنقول «لأجل عين تكرم ألف عين». فكيف ينقلب هذا القول إلى «لأجل عين تكره ألف عين»، إن ما سمعته وقرأته بعد مباراة الكأس لا يطمئن أبدا، فقد اجتمع كل الخصوم على الفريسة البريئة لمجرد أن عينها زرقاء، لم يرحموا باقي أعضائها، إن ما نضح من إفرازات هذه المباراة شيء ينذر بالخطر فقد ظهر ما حذر الله سبحانه منه بقوله: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) صدق الله العظيم.
فكيف ولماذا نعمم، وندمر الأخلاق الرياضية، والروابط العائلية، والصداقات الاجتماعية؟ ونبخس موازين المحبة والتراحم، ونقول للبغضاء والشحناء «هل من مزيد»؟
إن حالة من الانقسام الحاد والاستقطاب سادت بين الناس كافة، لمجرد خلاف في الرأي. ابتعدوا عن الحوار بمفهومه ومضمونه الذي طالما تمنيناه كثيرا، وبفضل وسائل التواصل والطابور الخامس الذين لا همّ لهم إلا خلق الفتن والأحقاد ساد المجتمع مناخ من الخصومة المريرة والعداء والكراهية الممسوسة. لذا نرجو من ولاة الأمر أن يشكلوا اللجان التطوعية من كبار رجال الخير وعقلاء المجتمع وعلماء النفس، لمقاومة هذه الآفة وهذا الوباء، ونشر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فالمناصب، والكراسي زائلة وتبقى السمعة الطيبة والسيرة الحسنة والأخلاق الحميدة ومختصرها «والنعم».
نسأل الله العافية.
[email protected]