كثر الحديث عن هذا الدستور، كل يختار منه ما يلائمه، حتى شبهته كبرامج الكمبيوتر programs أو games الألعاب نستخدمها بمزاجنا ونتسلى بها معتقدين انها صنعت لنا ولترفيهنا، أما الواقع فهو ثورة علمية، وثروة صناعية وتجارية، استفاد منها صانعوها، وأكلوا القطفة الأولى منها قبل أن تصل إلينا، حتى لم يحسبوا لنا حسابا.
إن أبو الديموقراطية والدستور الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح من الذكاء والدهاء والفطنة ما أشبهه بصانع الكمبيوتر، فقد صنعه لغاية نبيلة، وصمام أمان، وله فيه مآرب أخرى، إن هذا الانسان من أخلص وأوفى الكويتيين للكويت وشعبها ولأمته العربية والإسلامية ولأسرته آل الصباح (وهذا موضوعنا) فبعد ثورة الشيخ مبارك التصحيحية، وتسلمه زمام الحكم، خشي من خصومه أن يلجأوا للباب العالي في الدولة العثمانية (الإسلامية) لمحاربته، فاضطر إلى إبرام معاهدة 1899 مع الانجليز (غير المسلمين وخصوم العثمانيين) وهنا نتذكر قول الله عز وجل (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم).
فقد أصبحت هذه المعاهدة إحدى الوثائق التاريخية الدالة على كيان واستقلالية دولة الكويت. ما يهمنا من المعاهدة في هذا المقال هو أهم بند فيها وهو «ضمان بريطانيا العظمى بأن الحكم في الكويت للشيخ مبارك الصباح وذريته فقط» أبرمت هذه المعاهدة وسرى مفعولها، وشهادة للتاريخ: لم يكن الشيخ مبارك الصباح يخشى من شعبه أي هاجس، ولكنه كان يفكر بالوضع الإقليمي وزحف الاستعمار العثماني، وتسلط الولاة العثمانيين على شعوب الدول.
في عام 1961 انقضى من عمر المعاهدة 62 عاما وبقي 38 عاما، ولكن الثائر المجدد حفيد مبارك الكبير الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت آنذاك، أراد أن يحرر الكويت من كل القيود ويطورها لتصبح في مصاف الدول الحضارية، فكانت أولى خطواته هي إلغاء معاهدة عام 1899 مع بريطانيا، لكن إلغاء تلك المعاهدة يلغي معها (الضمان) وصية جده مبارك الكبير وهي ضمان الانجليز بأن حكم الإمارة للشيخ مبارك وذريته، لكن الشيخ عبدالله السالم لم يأبه ولم يهتم لذلك فقد أحس وشعر بأن شعب الكويت سيكون هو الضامن (بعد الله) لهذه الوصية، فبذكاء وفطنة الشيخ عبدالله السالم استبدل ضمان الانجليز بضمان أصحاب الشأن وهم شعب الكويت، وبذلك تجدد هذا الضمان، بضامن أقوى وأحق وشرعي وحضاري أمام دول العالم، بنص واضح وجلي في المادة الرابعة في دستور دولة الكويت الذي شرعه مجلس تشريعي منتخب من الشعب، تنص هذه المادة على أن الحكم في ذرية المغفور له بإذن الله الشيخ مبارك الصباح.
بهذا الإنجاز العظيم للشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، أعاد للكويت حريتها واستقلالها، وأهدى للشعب الديموقراطية والدستور والبرلمان، وحافظ على حقوق أسرته الكبيرة آل الصباح ورسخ وصية جده الشيخ مبارك، بشهود وضمان الشعب الكويتي بأسره حاضرا ومستقبلا.. رحمك الله يا أبا سالم وأسكنك فسيح جناته.
[email protected]