تركيا دولة شقيقة (إنما المؤمنون إخوة) نحترمها ونعتز بها، ولا ننسى انها كانت عاصمة للخلافة الاسلامية، ومن مبدأ «ما كل مجتهد مصيب» نعيش هذه الايام في زوبعة «الليرة التركية» وتوابعها وجذورها و«حسب الظاهر» فإن الازمة سببها رجل، فرد، لا هو من عرقنا، ولا من ديننا، هذا الفرد مهما كانت صفته «ومن وراءه» ومهما كانت المبررات (المعنوية طبعا) لا تصل لمستوى انهيار اقتصاد دولة، واغلاق مصانعها ودكاكينها، وقطع ارزاق شعوب، واشعال ثورات ونزاعات وقلاقل، مع أن تفادي كل ذلك الزلزال «بالتغافل» وبالمثل الشعبي المصري «علقة تفوت ولا حد يموت» إن نتائج ما يجري هو موت اقتصاد يتبعه غلاء وجوع وانقطاع موارد، وفي المقابل لن يصيب هذا الفرد «بالتأكيد» أذى، وحتما سيعود لوطنه ولكن.... «بعد خراب مالطا». هذه الأحداث ذكرتني بأحداث مشابهة مرت بها الكويت لأشخاص ثار الجدل حولهم، فكانت مصلحة الوطن وحكمة القيادة السياسية، تعلو على الشعارات المعنوية الرنانة، فتم اتخاذ قرار «التغافل» فكان الدواء الشافي المر.
عام 1998 حدثت أزمة مشابهة، وكانت تركيا أيضا طرفا فيها ولكن كانت الطرف الاقوى (كطرف أميركا الآن) حيث طلبت تركيا من سورية تسليم «فرد» هو المعارض التركي «عبدالله اوجلان». فساءت العلاقات السورية ـ التركية، وتدهورت، وقامت تركيا بتهديد سورية، واعلان حالة الحرب معها.
ما حمل القيادة السورية على وزن الأمور، فكانت حياة فرد تركي في كفة وحياة سورية وشعبها في كفة، وكانت هي الارجح طبعا، فطلبت القيادة السورية من «الفرد» عبدالله اوجلان الرحيل من سورية ليفسد على تركيا حجتها بالحرب على سورية.
وفي اكتوبر 1998 تم ابعاد «اوجلان» عن سورية تحت تهديد الضغوط التركية الشديدة التي كادت ان تشعل الحرب، وأما اليوم، وللعلم الأهم، فان انهيار الليرة التركية لم يكن سببه اميركا و«الفرد» الأميركي، بل سببه الطموح التركي الزائد والمستعجل، فالقيادة التركية اندفعت في التنمية والبناء (وهذا ما اعجب البعض)، ولكن تنمية بالديون والقروض (تزيد على 450 مليار دولار) لن تستطيع تركيا تسديدها، وهذا الأمر لا يخفى على الدول الكبرى، لكنها «متغافلة» عنه، فحدثت أزمة «الفرد» و«من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر»، عرفت أميركا نقطة الضعف التركية و«عرفت من أين تؤكل الكتف»، فكشفت أميركا عن عجز الاقتصاد التركي، وان الليرة لا غطاء ذهبيا لها، وان تركيا مقبلة على قضايا قانونية حول تسديد قروضها الضخمة، وبذلك ستحدث الكارثة، لقد كان بالإمكان «تغافل» تركيا عن جرائم هذا الفرد مقابل «تغافل» أميركا عن كشف حقيقة التنمية الصاروخية المبنية (على شفا جرف هار)، واقتصاد مبني على الشعارات السياسية، والاحلام الوردية، والتصفيق والاغاني الحماسية.
للاسف لم تتعظ تركيا بدولة عربية مرت (بالخمسينيات) بنفس التحدي وغامرت بمستقبل الوطن والشعب، بسبب العناد، والعزة بالإثم، السياسة لا تعرف العناد واليأس، السياسة تحل العقد والمشاكل.
وأخيرا أشكر الله اولا، ثم اشكر قيادتنا السياسية، التي تتخذ قرارات صائبة «كالتغافل عن البعض» تؤلمنا في البداية، كوخز إبرة البنسلين ولكن بها الشفاء الدائم بإذن الله.
فمعذرة يا قيادتنا حين تعلو اصواتنا احتجاجا على قرار تم، ولم ننتظر نتائجه الكاملة والتي هي في صالح الجميع وكأن قيادتنا الصابرة علينا تقول: «وجع ساعة ولا وجع كل ساعة»، فلو اتبعت تركيا سياسة قيادتنا الحكيمة وطردت هذا الفرد «متغافلة» عن أفعاله، وتوجعت ساعة، ولم تحتفظ به وتتوجع كل ساعه. «الحكمة نعمة».
يقول الله جل وعلا: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب).
[email protected]