في كل علاقة بشرية هناك طرف قوي يقابله آخر ضعيف، فالدولة ممثلة بالسلطة أقوى من الأفراد، وجهة الإدارة أقوى من الموظف، كما أن المؤجر عادة اقوى من المستأجر رغم محاولات المشرع في قانون الإيجارات الموازنة بين حقوق وواجبات طرفي العلاقة، وفي العلاقة الزوجية المرأة أضعف من الرجل، فهي تدخل ضمن النساء اللاتي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهن ووصفهن بالأسيرات عند الرجال او الولي عموما قائلا «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم» والعوان هو الأسير الذي يحتاج بلا شك الى عناية ورعاية فهو أضعف من الطليق، وهناك ضعف العامل بمؤسسة او شركة امام قوة رب العمل، وهناك المذعن بعقد الإذعان حيث يرضخ المذعن للشروط المملاة عليه حيث تقيد ارادته باطنا وان ظهرت حرة علنا، ناهيك عن المريض الذي أوهنه المرض فهو مسلم امره لله سبحانه ثم للطبيب المعالج ذي القرار النافذ عليه.
المهم ان هناك طرفا أقوى من آخر، وفي مقابل ذلك هناك مبادئ استقرت قانونا وانتهجت قضاء ترسي الموازنة والعدالة بين أطراف هذه العلاقات نوجزها بعدة أمور منها: أولا: أن الشك والغموض في العلاقة يفسر لصالح الطرف الأضعف. والأمر الثاني: أن من صلاحيات القاضي إعادة التوازن بالعقد المتضمن شروطا مجحفة او قيودا صارمة على الطرف الأضعف بحيث لا يكون هناك غبن فاحش وهو بإرساء التعادل بين الاداءات المتبادلة، كما للقاضي في القرارات الإدارية المطعون بها إلغاؤها اذا ما اختل احد اركانها والتعويض عنها للطرف المتضرر، ناهيك عن إرساء المحكمة الإدارية العليا المصرية مبدأ ثاقب بالبصيرة وفيه بجلاء مراعاة لما حررناه من مراعاة الطرف الأضعف مفاده «أن مما هو مستقر في الفقه والقضاء الإداريين انه وان كان الأصل أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي إلا ان الأخذ بهذا الاصل على إطلاقه في مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال وذلك بالنظر الى احتفاظ الإدارة في غالب الأمر بالوثائق والملفات ذات الأثر الحاسم في المنازعات الإدارية ويتعين عليها النزول على سيادة القانون ولعدم تعويق العدالة ان تقدم هذه الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع فإذا نكلت عن تقديمها انزاحت قرينة الصحة التي تتمتع بها القرارات الادارية وقامت قرينة جديدة على صحة ما أقامه المدعي..»، وتضيف «ولا تثريب على المحكمة ان هي اقتنعت بأن نكول الادارة عن تقديم الأوراق المطلوبة دليل على صحة ادعاء الطرف الآخر وسلامة موقعه في الدعوى» (يراجع على سبيل المثال طعن رقم 1972 لسنة 33 ق جلسة 24/11/91 ورقم 2064 لسنة 32 ق جلسة 28/2/ 93 إدارية عليا بمصر) وهذا بلا شك ان لم يكن للإدارة مبرر مقنع أو سبب ذو اعتبار.
اما الأمر الثالث فيختص بضعف المريض امام الأطباء الذين عليهم مسؤولية وامانة على الأرواح فهم وان كانوا غير ملزمين بتحقيق نتيجة بشفاء المريض الذي بيد الله سبحانه القائل على لسان نبيه ابراهيم عليه السلام (واذا مرضت فهو يشفين) لكنهم ملزمون ببذل أقصى العناية والرعاية تشخيصا وإجراء وعلاجا.
يبقى التنويه والتبصر بأن علاقة البشر بعضهم مع البعض يقيمها في النهاية القضاء النزيه في حين العلاقة المثلى العليا والسامية عن كل دنو والناصعة من كل حيف هي علاقة الرب سبحانه مع عبيده حيث يتجاوز الرب ويمهل رغم اغترار المخلوق بطول الأمل واتباع الهوى ومناجزة الرب بالشر رغم استمرار الخير عليه فسبحانه القائل (وما قدروا الله حق قدره)، فإن عاد العبد وتاب توبة نصوحا كان الله له غافرا ومتقبلا بل ومبدلا لسيئاته حسنات قال تعالى (الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) الفرقان: 70.