شكّل الكونغرس الأميركي لجنة تحقيق للنشاطات المعادية للرأسمالية نظرا للتغلغل الشيوعي، فجمعت المعلومات عن «بريخت» الألماني الذي اعتنق الشيوعية، فانعكس الحس الثوري في كتاباته ومسرحياته ومعه تسعة عشر كاتبا مسرحيا في هوليوود، قررت هذه المجموعة المواجهة العنيفة ضد اللجنة عارضهم «بريخت» مقترحا استخدام تكتيك الاحترام والإذعان والمناورة بذكاء فعارضوه، مثلت مجموعة الكتاب أمام لجنة التحقيق مستخدمين أسلوب الهجوم والإهانات والشتم، فحوكموا بالسجن ومنعوا من أي نشاط، غير أن «بريخت» استخدم استراتيجية مغايرة فكان مؤدبا أمام اللجنة مرتديا بدلة أنيقة تعكس البعد الرأسمالي وأخذ يدخن السيجار مثل رئيس اللجنة كنوع من المحاكاة، وعندما سئل «هل فعلا كتبت رسائل ومسرحيات شيوعية؟» أجاب: نعم كتبت رسائل ومسرحيات ضد هتلر وحكومته النازية، لذلك ترونها ثورية، وكان هناك مترجم من الألمانية للإنجليزية والعكس فاستثمرها بتخفيف حدة عباراته الثورية التي استخدمها في مسرحياته وكتاباته، في النهاية أثمرت هذه الاستراتيجيات في المناورة والاحترام أن تركوه طليقا بل عرضوا عليه المساعدة إن احتاج بينما خسر الآخرين سنوات من العمل المربح ووضعوا في القائمة السوداء.
تطأ قدم الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه رجلا نائما في المسجد ليلا فيثور قائلا: أحمار أنت؟ فيجيب الخليفة بهدوء: لا، ويتجاوزه، يوسف عليه السلام يتهمه أخوته بالسرقة فتجاوزهم (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) سورة يوسف، في الشارع هناك من يفاجئك باستهتاره، وفي الطابور من لا يحترم الدور، مسؤولك قد يستفزك، في اللقاءات الاجتماعية قد يتم تصويبك بكلمة جارحة وغيرها من المواقف حين نتصرف فيها بعقلانية نتجاوز بالتغافل نحفظ الود وحبل علاقاتنا، فردات الفعل العنيفة تجاه مواقف الحياة لها ارتداداتها السلبية، لذلك نحتاج أحيانا لأن نبقى على صلابتنا من الداخل لكن من الناحية الخارجية نقدم بعض التنازلات ونتجاوز، نكتم غيظنا لنسيطر على الموقف ونخرج بأقل الخسائر معاكسين غرائزنا التي تثب لردات فعل أقسى.
«لا تستمر الحياة أبدا إلا بالتجاوزات، يجب أن تتجاوز ندمك، وتتجاوز هزيمتك، وتتجاوز بعض الأشخاص أيضا» جبران خليل جبران.
al_kandri@