منذ الصغر ونحن نطرب لسماع إبداعات العلماء المسلمين في العلوم التطبيقية والإنسانية، وفي شتى المجالات نشعر بنشوة انتمائنا لهذه الأمة العظيمة التي سادت الدنيا.
هذا الإعجاب قادني ذات مرة للاصطدام بأحد أساتذة الشريعة حين شرع باتهام أشهر العلماء كابن سينا والرازي والفارابي بالخروج عن الإسلام بسبب بعض أفكارهم وآرائهم رغم أن أوروبا استنارت بعلمهم لقرون! فسألته: لماذا إذن نفخر بالحضارة الإسلامية إن لم يكن صناعها أولئك العلماء؟ زرياب الذي أضاف الوتر الخامس في العود ليرتقي بالألحان ثم أنشأ مدارس لتعليم الموسيقى وأتى بفكرة إتيكيت الطعام من طريقة تقديم الوجبات وترتيبها كالشوربات ثم السلطات، فالوجبات الرئيسية ختاما بالحلويات لمسات ليست فرنسية المنشأ بل تبلورت في ربوع الأندلس، علاوة على اختراعه بعض العطور وقصات الشعر التي أحدثت ثورة في عالم الأناقة والجمال، يتم اتهامه بسقوط الأندلس لنشره الميوعة والانحلال!
جلال الدين الرومي، صاحب الخطاب الكوني العالمي والحكم العميقة في الحب والتسامح والجمال والذي أسلم بفضل كتاباته الكثير من الغربيين، متهم هو الآخر بالشطحات، والتي وإن كانت موجودة لا تلغي إسهاماته العظيمة وإثراءه للفكر الإنساني.
بدأت بتسجيل حلقات إذاعية تنموية فتطرقت إلى الفيلم الملهم «الطريق إلى السعادة» للممثل الأميركي ويل سميث الذي يسطر معاني الطموح ومواجهة التحديات ففوجئت بطلب المخرج والذي - ألتزم حديثا - بألا أذكر هذا الممثل لأن لديه أفلاما غير أخلاقية!
شرحت له أنني أسلط الضوء على جانب مشرق يعتبر جرعة في التحفيز والطموح، ويجب أن نستفيد من هذا الجانب في القصة، وذكرت له الحديث «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها».
لست محاميا عن الرومي وزرياب وابن سينا وويل سميث وغيرهم، لكن ما يزعجني هو الأفق الضيق تجاه هذا الاتساع في الجوانب المشرقة من حياة الناس والتركيز على الزلات متناسين أن كلا منا له جانب مشرق وآخر مظلم، فالآفاق الضيقة لا تبني مجتمعا رائدا ولا حضارة عظيمة، لذلك الامتنان لكل من قدم خدمة للإنسانية واجب وإنصاف الآخرين بما أثروا به الحياة أوجب، إن كنا ننشد الأفضل لأنفسنا ومجتمعنا ووطننا.
al_kandri@