يتردد الكثير من الناس في اتخاذ قرارات بسيطة في الحياة كاختيار نوع القهوة التي يودون تذوقها من أحد الكافيهات أو اختيار لون السيارة أو اقتناء ماركة معينة لساعة اليد وغيرها من القرارات التي لا يترتب عليها تغيير جذري في المستقبل، فأتساءل كيف سيتخذ هؤلاء قراراتهم المصيرية في الحياة كالزواج أو اختيار التخصص الدراسي أو الهجرة للخارج أو إقامة مشروع تجاري أو شراء عقار؟ لذلك تكاد تكون عملية اتخاذ القرار بين خيارات عديدة من أهم المهارات التي يجب إتقانها في خضم الحياة.
وكم أعشق أصحاب القرارات الجريئة حين يتخذونها بناء على بواعثهم الداخلية وأصوات الحكمة وطموحاتهم بدلا من أن يكونوا ضمن خيارات الآخرين، فبداعي الحب يتسلط بعض الآباء باتخاذ قرارات نيابة عن أبنائهم سواء باختيار تخصص دراسي أو وظيفة أو اختيار شريك أو شريكة المستقبل.. غير مدركين أنهم بذلك يحطمون شخصياتهم، إضافة إلى أحلامهم وطموحاتهم، التوجيه وتقديم الاقتراحات والخيارات أمور مطلوبة لكنها يجب أن تقف عند حد معين لتترك مساحة للفرد لاتخاذ القرارات باستقلالية خصوصا المصيرية منها والتي تغدو كارثية إذا تم اتخاذها بناء على تسلط وضغوط خارجية، إن مسألة اتخاذ القرارات ضمن خيارات كثيرة في لعبة الحياة معادلة تحتاج لاتزان وتفكير عميق كبعض الأكلات تحتاج أن تطبخ على مهل وبنار هادئة حتى تنضج وتصبح حلوة المذاق.
إنها لعبة الخيارات، إذن، فحياتنا التي نعيشها هي عبارة عن مجموعة من الخيارات تقدم لنا، وما علينا سوى اتخاذ القرارات واختيار أنسب هذه الخيارات، فوضعنا الاجتماعي والمادي والصحي الذي نحن عليه الآن قمنا بتحديده بقرارات اتخذناها في السابق، فقراراتنا هي مرآة لأهدافنا ومبادئنا وتطلعاتنا.
أصعب القرارات وأشرسها تلك التي يكون فيها ثورة على الذات، قرار يغير مجرى حياتنا يضعنا أمام تحديات تجعلنا أكثر نضجا وقوة وصلابة لمواجهة متطلبات الحياة، فلا أروع في أن نتخذ قراراتنا باستقلالية وبدراسة وافية نلقحها باستشارة الخبراء والوالدين وكما قيل «أمران لا ندامة معهما الاستخارة والاستشارة» لأن الاستشارة هي عملية استثمار عقول الآخرين ومقارنتها بالبدائل المتاحة والخيارات المطروحة لنصل لأدق الأهداف وأميز قرار، شريطة أن يتم اتخاذ القرار بناء على دراسة وافية ودون ضغوط خارجية تعكر صفو القرار، لنتعلم فن اتخاذ القرارات ولنعط الآخرين مساحة كافية ليتخذوا قراراتهم بكل أريحية وثقة.
al_kandri@