الإطلالة الإعلامية بتقديم الأخبار والبرامج الحوارية وتقديم الدورات التدريبية وكتابة المقالات الصحافية واعتلاء المنصات الجماهيرية أعمال أمارسها بصفة مستمرة وتتطلب الكثير من المهارات والادوات منها دراسة الجمهور المتلقي وفهم نفسيته وطريقة تفكيره، ولشغفي بالقراءة وبفنون التأثير والقوة قمت مؤخرا باقتناء كتاب «سيكولوجية الجماهير» للعالم الفرنسي غوستاف لو بون مؤسس علم نفسية الجماهير والذي أحدثت أطروحاته جدلا واسعا مما لفت الأنظار إليه خصوصا من السياسيين والإعلاميين الذي يسعون لفهم الجماهير للتأثير عليها والترويج لأفكارهم، لذلك حرص العديد من الشخصيات العالمية على الالتقاء به كالرئيس الأميركي الأسبق «فرانكلين روزفلت».
يرى لو بون أن الجماهير هي انصهار أفراد في روح واحدة وعاطفة مشتركة تقضي على التمايزات الشخصية وتخفض من مستوى الملكات العقلية، وعليه فإنه يرى أن الفرد إذا كان بمفرده فإنه يكون أكثر تعقلا، ويرى أن عقلية الجماهير تتأثر بشكل كبير بمؤثرات منها الخيال كالتمثيلات المسرحية والتي قد تصل إلى أن تتم حماية الممثل من اعتداء الجمهور بسبب جرائم خياله!
بالإضافة إلى تأثر الجمهور بالقادة عن طريق الشعارات البراقة والكلمات المنتقاة بعناية وتأكيدها وتكرارها والتي قد تفقد أمامها المحاجات العقلية والمنطق قوتها حتى أن نابليون كان يقول: إنه لا يوجد إلا شكل واحد من أشكال البلاغة وهو التكرار لأن الفكرة التي يتم تأكيدها بالتكرار ترسخ في النفس كحقيقة جازمة، تذكرت حينها كيف قامت الإدارة الأميركية باستثمار تلك النقطة حين تستخدم مصطلح «الإرهاب الإسلامي» وتكررها عشرات المرات في الصحف والشاشات ووسائل التواصل لتهيئة الجمهور لحرب شرسة على الإرهاب، كما ان للكاريزما دورا في سحر الجمهور كرجال الدين والسياسيين والقادة وغيرهم ويعتبر العرق والزمن والتقاليد الموروثة وطريقة التعليم من العوامل المهمة للتعرف عليها عن قرب للتعامل مع الجمهور، ومما يحدد مضمون الرسالة الموجهة للجمهور ونوع وسائل الإقناع الموجهة له لرسوخ الأفكار هو معرفة طبيعة الجمهور من حيث التجانس وعدمه، المسلسلات السياسية الأميركية هي الأخرى تحوي إسقاطات من نظريات لو بون يستثمرها السياسيون والإعلاميون لصناعة الرسالة المؤثرة بوسائل إقناع تحاكي الناخبين والجمهور وتصنع التأثير المطلوب.
في اعتقادي الشخصي أن كل إعلامي أو داعية أو مصلح اجتماعي أو سياسي بحاجة للإلمام بخصائص الجماهير ومعرفة تجانسه من عدمه وفهم نفسياته ومحركاته حتى يكشف تلك المناطق المجهولة فيصيغ رسالته بناء على قواعد صلبه تمكنه من التأثير.
al_kandri@