قام جوزيف غوبلز وزير الدعاية والإعلام في عهد هتلر بإرساء قواعد نظرية تعتبر من أخطر وأقوى أدوات التأثير والتي استثمرها أهل السياسة والإعلام باحترافية لاجتذاب عقول الجماهير وحصر خياراتهم في دوائر محددة يتحكمون بمساحتها وفقا لأجندتهم فيما يعرف باسم «نظرية التأطير» وذلك عن طريق الاستعارات المجازية والصور الموحية وعبقرية صناعة العبارات حيث تقوم فلسفة هذا الأسلوب على فرض خيارات محددة لمنع العقل من البحث عن خيارات أخرى.
ففي حادث تحطم طائرة تجسس أميركية فوق الأجواء الصينية وبعد توتر العلاقات بين البلدين خرج الرئيس الأميركي وقال: إن الإدارة الأميركية تستنكر تأخر الصين في تسليم الطائرة.
فجاء الرد القاسي من الحكومة الصينية بأنهم سيقومون بتفتيش الطائرة للبحث عن أجهزة تنصت قبل تسليمها!
الحقيقة هنا أن القضية هي هل ستسلم الصين الطائرة أم لا؟ لكن الخطاب الأميركي جعل القضية هي التأخر فجاء الرد الصيني بموافقة ضمنية بتسليم الصين للطائرة بعد التفتيش وهو ما أراده الأميركيون!
وعندما صرح نتنياهو بأنه لن يبني مستوطنات إسرائيلية جديدة بل سيقوم بالتوسع بالمستوطنات القائمة استجابة للنمو البشري الطبيعي! في محاول لإعادة تأطير القضية لإكسابها صفة قانونية حينما غير زاوية النظر للقضية، وفي الإعلام عندما يتم التقاط صورة لشخصية سياسية في أحد المؤتمرات وهي في حالة سبات ويتجاهل التفاعل من بقية الحضور فهو بذلك يرمي لبناء انطباع معين عن المؤتمر بهذا الإطار الذي أراد للمشاهد أن يراه.
لو قال أحد الجراحين لمريض تستدعي حالته عملية جراحية بأن 80% ممن أجروا هذه العملية عاشوا حياة طبيعية بهذه الحالة سيتجه المريض نحو خيار إجراء العملية، وفي المقابل لو أخبر المريض بأن 20% ممن أجروا تلك العملية قد ماتوا فسيكون خيار الرفض هو الأقرب، على الرغم من أن المعلومة هي ذاتها لكن تمت إعادة صياغتها في إطار آخر يتغير معها القرار تماما.
فربما خضعنا لأسلوب التأطير في حياتنا من تيارات أو مفكرين أو شخصيات سياسية دينية أو إعلامية وغيرها لكن دون أن نشعر وهذه اللمسة الساحرة بهذا الأسلوب، لكننا حين نسبر أغوار هذا الأسلوب المؤثر ونضعه في منظومة حياتنا ونستثمره للتأثير في المجتمع والجماهير من خلال كتاباتنا أو في تقديم البرامج التلفزيونية أو الإذاعية أو الدورات التدريبية أو خلال حواراتنا اليومية نكون بذلك قد أضفنا لرصيدنا إحدى أهم النظريات التأثيرية الفعالة.
al_kandri@