في تحفته الرائعة كتاب «المرحلة الملكية»، يشخص د.خالد المنيف فخامة وروعة هذه المرحلة وأسرارها كالارتقاء فوق المعارك الجانبية، والتحكم بخياراتنا وقراراتنا في الحياة، وألا نسمح بتوافه الأمور أن تحطمنا، ولا نسلم ألسنتنا للجدالات العقيمة ومحاولة إثبات خطأ الطرف الآخر لسحقه!
«لا تصارع خنزيرا في الوحل فتتسخ أنت ويستمتع هو بذلك».
الحوارات وإن اختلفت منصاتها تطفو على سطحها كمية رهيبة من البشر أصحاب العقول المستأجرة المنتهية بالتملك للآخرين سواء أكان كتابا أو رجل دين أو حزبا أو مؤسسة إعلامية.. إلخ، وكلما تذكرت أحد هؤلاء استصحبت معي مصطلح الماء الآسن في الفقه، وهو الماء المتغير خواصه بطول المكوث، فلك أن تتخيل لونه ورائحته وطعمه! تماما كأصحاب العقول المستأجرة حين يسلمون عقولهم للغير دون وعي، فيطلقون أحكاما فورية بسبب موروثات، فتصبح الاعتقادات عقائد والأعراف الاجتماعية قطعيات ومسلّمات! ثم مرحلة تقديس الأشخاص، وكنوع من الانسياق وراء التفكير الجمعي يرفض أن يصدر رأيه لئلا يشذ!
المراجعات الكبرى للكثير من الشخصيات والتيارات والأحزاب في الآونة الأخيرة هي نتيجة عملية استفاقة من تأثير مخدر للعقل واستئجار مساحات شاسعة منه، وأفضل وسيلة لحماية العقول من تأجيرها لمصادر خارجية هي القراءة بشغف بروح الباحث عن الحقيقة لموازنة الأمور ولفهم أكبر للواقع بنظرة أدق، مع المحافظة على السيادة الكاملة لخياراتنا وقراراتنا، وهو ما ينتهجه صانعو الحضارات والمؤثرون في المجتمعات، ثم عن طريق التغذية الإيجابية من خلال ما نزرعه من أفكار، فما نزرعه فكرا نحصده عملا، فلنحرص على ما نبذره من أفكار.
قبل سنوات كنا نُفتن بداعية يأسرنا ببلاغته وروعة أسلوبه، أو إعلامي يسحرنا بلباقته وإطلالته، وسياسي بفكره وتطلعاته، عملية تأجير مؤقتة لعقولنا، لكن كثرة الاطلاع والقراءة مع الاختلاط بالمجتمع وفهم الواقع بصورة أعمق كفيلة باستملاك كامل لمساحات عقولنا! فلا يلزمني فقيه برأيه ما دام هناك للمسألة آفاق أرحب، للجميع الحق في التعبير، ولي السيادة الكاملة على خياراتي وقراراتي في الحياة.
هي دعوة للوصول الى النضج الراقي لزيادة الوعي بالذات للحرية والسيادة المطلقة لحياتنا وأفكارنا وقراراتنا.. دعوة للتجرد من كل القيود الخفية المعطلة للطاقات والطاردة للإبداعات.. محاولة للانتشال من مستنقعات الماء الآسن والعقول المستأجرة.
«اجعل مزاجك مرتفعا عاليا، لتكتب، لتقرأ، لتعمل، لتتفاعل بإيجابية ولا تعط أحدا فرصة لتعكيره».
al_kandri@