فــي هولندا وفي القرن السابع عشــر تحـــديدا، أرادت الطبقة العليا أن تجـــعل الزنبقة شيئا أكثر من مجرد وردة جمــيلة، أرادوها أن تكون رمزا للمكانة فجعلوها نادرة ويكاد يكون الحصول عليها مستحيلا وبذلك تولد ما يسمى بهوس الزنبقة.
كل شيء في الدنيا يخضع لقانون الحضور والغياب، فكما أن الحضور الطاغي وامتلاك الكاريزما مهارة مهمة في التأثير وفرض الاحترام وجذب الانتباه، فإن الحضور أكثر من اللازم يولد نتائج عكسية، فكلما زادت رؤيتك والسماع منك هبطت قيمتك لأنك أصبحت في المتناول وتقل بذلك هالة الهيبة وشيء من الاحترام وهذا ما نلاحظه في المجالس والمناسبات وكما في المثل الكويتي«لا تكثر الدوس تراهم يملونك».
في ظل الطوفان الهائل من الصور والفيديوهات المتزاحمة في وسائل التواصل الاجتماعي والاستعراض الخالي من القيمة الهادفة علاوة على كثرة ارتياد الدواوين والمجالس صار استخدام قانون الغياب المتوازن أمرا حتميا كما ينص علم الاقتصاد فحينما تسحب منتجا من السوق تخلق له قيمة فورية فيما يعرف بقانون الندرة.
الرموز السياسية والإعلامية والفنية وأصحاب المشاريع حريصون في الغالب على الحضور للترويج عن إنجازاتهم وأعمالهم ومنتجاتهم لكنهم بين الحين والآخر يحتاجون إلى فن الانسحاب المؤقت لخلق حالة من التشويق وعدم إصابة جمهورهم بالملل.
«إذا شوهدت على المسرح كثيرا فسيتوقف الناس عن ملاحظتي» نابليون بونابرت.
فالشمس هي الأخرى لا نعرف قدرها إلا في غيابها أيام المطر والغيوم حينها يزداد الحنين لدفئها والشوق للهيبها الحارق! أما بحضورها طويلا وأكثر من اللازم تغدو ضيفا غير مرحب به متمنين غيابها!
الناجح والمؤثر هو من يعرف كيف يستخدم قانون الغياب باحترافية فيعرف متى ينسحب ومتى يكون حاضرا يحافظ بذلك على هالة الهيبة والاحترام والشوق إليه، وفي فترة غيابه تراه باحثا عن شغفه قارئا وكاتبا ومنجزا صانعا للإنجازات ومحققا للنجاحات والتي بدورها ستكون حاضرة في المجالس فترة غيابه تتداولها الألسن بكل إعجاب يعزز بها من قيمته ويزيد من اتساع هالة الهيبة والاحترام، فالحب لا يموت من كثرة التجويع بل من التخمة!