تأملت في السنوات الأخيرة في حالة مطردة من الهوس في السعي لتولي حقيبة وزارية والاستماته لعضوية نيابية أو وظيفة قيادية ذات نفوذ ومكانة رفيعة أو حتى أقل من ذلك كعضوية في جمعية أو نقابة، لما تحققه تلك المناصب من إشباع للذات كما هي نظرية العالم الأميركي إبراهام ماسلو، غير ان هذه الممارسات أصبحت غاية في حد ذاتها وليست وسيلة لغايات أسمى كالإصلاح والتنمية وبناء الإنسان والرقي الحضاري.
لا أنكر أن للمكانة العالية في السلم الاجتماعي نتائج مستحبة فهي ترتبط بالثروة والعلاقات والحرية وتجعل من الإنسان نقطة ارتكاز وبؤرة جاذبة في مجتمعه، لذلك أصبح موقع الفرد في السلم الاجتماعي هاجسا ومصدر هم لدى الكثير للاعتقاد السائد بأن صورتنا الذاتية تعتمد بشدة على ما يراه الآخرون فينا، وهذا ينعكس من خلال التعطش لاقتناء رموز تدل على المكانة كسيارة فخمة أو ساعة ثمينة أو التباهي بترديد أسماء معارفنا وعلاقاتنا النافذة أو أسماء مدارس أبنائنا الخاصة أو حتى باستعراض زاوية في منزل متواضع تحوي قطعة من أثاث أنيق في وسائل التواصل الاجتماعي حتى أصبح هذا الطغيان المادي مثيرا للغثيان أحيانا!
وما يشعرني بالضجر ذلك الشعور المفرط لدى البعض بضرورة ضخ «الهيليوم» في بالونات المكانة المصطنعة بمناصب ومسميات هشة ورموز شكلية ولا يبالون إن كانت ذواتهم وعقولهم فارغة من أي قيمة أو فكر أو مهارة.
إن التطلع للمكانة الرفيعة أمر فطري في البشر ولكل فرد الحق في الحصول على مكانة مميزة في السلم الاجتماعي بطموحاته العالية ونفسه التواقة، وتاريخنا الإسلامي زاخر بالشخصيات التي صنعت لها مكانة عالية في مجتمعاتها ليس بالماديات ولا بالاستعراضات إنما بالفكر والعمل الجاد فأثمرت حضارات ومجتمعات خالدة، واليابان مثلا تشعر بنشوة في استعراض مكانتها الاقتصادية وأميركا بترسانتها العسكرية والمملكة العربية السعودية بأنها بلاد الحرمين ومحور العالم الإسلامي.
لذلك، كن طموحا مهذبا ومهندما ممتلئا بالفكر والثقافة متترسا بالمهارات متسلحا بالعلاقات الواسعة، فتلك هي اللبنات الصلبة للترقي في سلم المكانة الاجتماعية، وهي الطريق للسمو الاجتماعي وما سواها من رموز مادية ومناصب، فهي تدور مع تلك المنظومة الفريدة.