خلال المشاركة في إعداد تقرير «تعقب العطاء العالمي» (GPT) 2020 الذي تتولى إصداره جامعة إنديانا الأميركية، لمعرفة حجم التدفقات المالية الخيرية قطريا وعالميا، كان الاتفاق على إعداد التقارير القطرية الخاصة بكل من الكويت وقطر، ولاحقا تمت إضافة الأردن، ومنذ بدء العمل في كتابة التقارير التي تتناول حجم العطاء الخيري المحلي وذاك العابر للحدود من هذين البلدين الخليجيين اللذين يعتبران ضمن كبار المانحين عالميا، لم يكن الأردن في الحسبان.
فخلافا للكويت وقطر، يصنف الأردن كبلد محدود الموارد ومعتمد على المساعدات، وهو بصورة مستمرة يتلقى العطاء الخيري العابر للحدود، الذي يوجه ما يقارب 30% منه لتنمية المجتمع الاردني و70% لتلبية احتياجات اللاجئين، الذين تشكل نسبتهم 1 الى 15 من إجمالي السكان، وينتمون لـ 57 جنسية.
وكان فريق البحث قد قدر تكاليف ما يحمله الأردن بسبب الأزمة السورية بما يتجاوز 10 مليارات دولار، ووقتها كان لابد من التدقيق والمقارنة في أرقام الدعم الذي تقدمه عدة دول للاجئين السوريين، بما فيها تلك التي يقيم اللاجئون على أراضيها، كتركيا ولبنان، حيث تستضيف الاولى ما يقارب 3.6 ملايين لاجئ سوري، بلغت تكلفة استضافتهم، وفقا لتصريح أدلى به الرئيس التركي، 40 مليار دولار منذ عام 2011، وفي لبنان الذي تقدر حكومته وجود 1.5 مليون لاجئ سوري يشكلون نسبة 1 الى 4 من مجموع السكان، قدر البنك الدولي تكلفة الاستضافة بـ 4.5 مليارات دولار سنويا، تشمل مليار دولار كتكاليف مباشرة و3.5 مليارات دولار كتكاليف غير مباشرة.
وقد تم رصد حجم ما تكلفه الأردن نتيجة استضافته 1.4 مليون لاجئ سوري منذ بدء الأزمة السورية قبل 9 سنوات، بما يشمله من تكاليف مباشرة وغير مباشرة، تشمل التعليم والصحة والخدمات، والمعاملات الاجتماعية والنواحي العسكرية مثل رصد الحدود مع سورية وحمايتها من أي اختراقات، والآثار البيئية التي دفعت الاردن في العام الماضي إلى التقدم بمشروع قرار إلى الأمم المتحدة لتعويض الأردن بيئيا بسبب أزمة اللاجئين السوريين، ووقتها بدا الرقم السابق منطقيا، مع إقرارنا بوجود مبالغة من بعض الحكومات التي تستضيف اللاجئين، وربما تكون الحكومة الأردنية والتركية واللبنانية من بينها، في حجم الأعباء التي تحملتها نتيجة الاستضافة!
ليس المقصود هنا التقليل من دور المساعدات المالية التي قدمتها بعض الجهات الدولية والخليجية في إطار الاستجابة للأزمة السورية، بل نعني الأخذ بعين الاعتبار التكاليف بكل أنماطها التي ترتبت على الدول المستضيفة من خلال هذه النظرة الإحصائية، وهي حقيقة مهمة علينا أن تدركها الشعوب المستضيفة، ومنهم الأردنيون، وهي تشعر بالتقصير في تقديم الدعم لأشقائنا السوريين، ومن قبلهم العراقيون والفلسطينيون، وحين نقارن ما قدمناه بالمنح المالية الكبيرة التي قدمتها دول أخرى، لكن رصيدها كان محدودا في احتضان اللاجئين السوريين على أراضيها فضلا عن التفكير بحل إعادة التوطين Resettlement كأحد الحلول الناجعة للتعامل مع أزمة اللاجئين، وأن تكلفة الاستضافة قد تكون أكثر قيمة من تقديم المال، وإن كانت كل هذه الأنماط من الدعم تذوب أمام الأخوة والقربى وسنبقى مقصرين أمام نموذج المهاجرين والأنصار!
[email protected]