كانت استطلاعات رأي الموظفين، ومنذ عقود، إحدى أبرز الأدوات لقياس الرضا والولاء والاندماج للعاملين، ومازالت أداة مهمة تقدم معلومات دقيقة، وتشعر الموظفين بأن لهم رأيا مسموعا، وحافزا لهم على تغيير سلوكهم، لكن دور هذه الاستطلاعات لا ينبغي لها أن تقف عند معرفة النتائج فقط، بل ما بعد النتائج وهي المرحلة التي تفشل بها الكثير من المنظمات!
تكون الاستطلاعات مستفزة وشكلية، إن لم تتم الاستفادة منها، وإذا لم يشعر الموظفون بأن هناك خطة عملية، تستند إلى الاستطلاع، تترجم على أرض الواقع بقرارات إدارية ترفع من رضا الموظفين وتزيد من ولائهم للمؤسسة ودافعيتهم للعمل، ووقتها فقط يحق للمؤسسة أن تفخر بمثل هذه الاستطلاعات!
في سبيل توظيف هذه الاستطلاعات بأفضل صورة، فإن على الإدارة العليا والموارد البشرية أن تعرف عموم الموظفين بالنتائج العامة للاستطلاع، عدا تلك التي قد تسبب ضررا متحققا للشركة والمصلحة العامة، وأن تعرض النتائج بشكل ملخص واضح وسهل، بعيدا عن التعقيدات التي قد لا يفهمها إلا المتخصصون، وهو ما لا يتناقض مع إتاحة المجال للموظفين بقراءات متنوعة للنتائج ربما لم يدركها المحللون أو كاتبو التقرير، كما هي القاعدة التي تقول: «استطلاع واحد وتفسيرات متعددة»: One Poll Multiple Interpretations.
إن من أهم سمات نجاح استطلاع آراء الموظفين أن تضع إدارة المؤسسة خطة عملية، استنادا إلى نتائج الاستطلاع، وهي خطوة تفشل فيها كثير من المؤسسات والمنظمات، رغم أنها أهم شيء في عملية الاستطلاع برمتها.
ويمر إعداد الخطة العملية بعدة مراحل، أولها تحديد وتعريف الأولويات المطلوبة للتحسين من أعلى فأدنى، واختيار أعلى 3-5 جوانب تحتاج إلى تحسين، واقتراح الأدوات وخطة التطوير العملية لها، على أن يتم ذلك بعد مرور فترة مناسبة على رؤية الموظفين للنتائج، ومناقشتهم لها، ووضح الأمور المطلوبة لديهم، واتفاق الإداري الأعلى على البدء بوضع الخطة.
ومن ثم تحديد مجال التطوير، والذي يشمل رصد المشاكل أسبابها وتأثيرها على الموارد البشرية والزبائن، وما هي التحسينات المطلوبة وكيف ستحدث، مع تحديد الفترة الزمنية للخطة التي تشمل مراحل البدء والتطوير والانتهاء، وتحديد المسؤولين عن كل تحديث وتطوير، دون إلقاء المسؤولية على شخص واحد.
كما أن من المهم أن تكون هناك أهداف محددة تسعى الإدارة للوصول إليها بعد تنفيذ الخطة، والتي يمكن قياسها لاحقا بأدوات متعددة، مع تدوين الآثار الإيجابية المتوقعة والمقترحة.
ولضمان سير الخطة كما يجب، لابد من المراجعة، ليس فقط لتصويب الأخطاء، ولكن لتعلم خبرات جديدة، وضمان تنفيذ الخطوات بالشكل والسرعة المطلوبين، وعند الانتهاء من هدف معين يمكن الانتقال إلى آخر، ومن المهم توثيق الخطة والإعلان عنها، ليعرف كل موظف ما هو مطلوب منه.
ولعل مما يسهم في تحقيق رضا الموظفين، ودافعيتهم نحو تقديم أفكار للإدارة، عقد جلسات نقاشية (feedback sessions)، حيث يلتقي المديرون مع الموظفين للمشاركة في مناقشة نتائج الاستطلاع وخطة التطوير.
ونظرا إلى أن أهمية المعايير قد تختلف من مؤسسة إلى أخرى، فمعيار الإخلاص لدى إدارات البنوك مثلا أهم من معيار التنافس بين الموظفين، فإن على المؤسسة أن تدرك أهمية النتائج وفقا للمعايير التي تهمها أكثر.
إن نشر نتائج الاستطلاع، إذا كانت إيجابية مقارنة بجهات أخرى، يعطي للجهة ذاتها قوة، ويزيد سمعتها وشهرتها والنظرة الإيجابية تجاهها، بما يمكن أن يقود إلى استقطاب الكفاءات من الشركات الأخرى، ويسهم في زيادة ثقة الموظف بنفسه إذا كان يتعامل مع الجمهور، فيشعر أمامهم بأنه ينتمي إلى مؤسسة تحقق له الرضا والسعادة.
وبهذه الصورة، فإن آراء موظفيك أكبر وأهم من مجرد معرفة ماذا يقولون وتفرح أو تحزن بما قالوا!
[email protected]