«لو أن كل الجهات الرقابية كتلك التي تراقب العمل الخيري لكانت دولتنا بمنأى عن غسيل الأموال»، كانت هذه العبارة ذات الدلالات العميقة لمدير إحدى كبرى الجهات الإنسانية في الكويت، على هامش مؤتمر القبس الوطني، والذي عقد مؤخرا تحت عنوان «كي لا تصبح الكويت حديقة خلفية لغسيل الأموال».
كثيرا ما أشفق على القطاع الخيري على مستوى العالم، من كثرة المراقبة والقيود التي تمنعه من التحرك بمرونة ورشاقة، لأسباب فرضتها أحداث ليس له ذنب فيها، بعدما شهد هذا القطاع مزيدا من الصرامة في اللوائح المتعلقة بعمله في التدفقات المالية داخل وعبر الحدود، وزادت الحواجز القانونية والقيود الإدارية بشكل لم يسبق له مثيل.
تمثل التوصية الثامنة لمجموعة العمل المالي الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي (FATF) واحدة من أبرز ملامح هذه القيود ذات الصبغة الدولية في الإطار المتعلق بـ«المنظمات غير الهادفة للربح»، والتي نصت على «ينبغي على الدول أن تراجع مدى ملاءمة القوانين واللوائح التي تتعلق بالكيانات التي يمكن استغلالها لغايات تمويل الإرهاب، وتعد المنظمات غير الهادفة للربح ـ بصفة خاصة ـ عرضة لذلك، وينبغي على الدول أن تتأكد من عدم إمكانية إساءة استغلالها:
أ ـ من قبل المنظمات الإرهابية التي تظهر ككيانات مشروعة.
ب ـ من أجل استغلال كيانات مشروعة كأدوات لتمويل الإرهاب، بما في ذلك من أجل التهرب من تدابير تجميد الأصول.
ج ـ من أجل إخفاء أو تغطية تحويل الأموال المخصصة لأغراض مشروعة سرا إلى منظمات إرهابية، وتم ضبط التوصية بخمسة معايير مفصلة تحدد مدى الالتزام بمضمون التوصية!
مع الاعتراف بأهمية هذه التوصية بشكل عام، إلا أن هذا لم يمنع كلية ليلي فاميلي للعمل الخيريIU Lilly Family School of Philanthropy، في جامعة إنديانا، من انتقاد جزء من هذه التوصية ضمن حديثها عن سياق البيئة القانونية للعمل الخيري عبر الحدود، في تقريرها الأخير الذي تشرفت بالمشاركة فيه تحت عنوان «مؤشر تتبع العطاء العالمي 2020»، حيث بين التقرير أنه رغم أن مجموعة العمل المالي شجعت البلدان على مراجعة التشريعات وتنفيذ الإجراءات المتناسبة والسياسات المرنة لضمان حيوية القطاع الخيري، إلا أن لوائح مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب ظلت حواجز أمام العطاء عبر الحدود في العقد الماضي، حين أدخلت العديد من البلدان أيضا لوائح تحظر الأموال الأجنبية الواردة، أو التي توجه إلى المنظمات الخيرية ذات التمويل الأجنبي، وأشار التقرير إلى أن مثل هذه اللوائح لا تعيق قدرة المنظمات الخيرية الممولة من الخارج فحسب، بل إنها تثبط عزيمة الجهات المانحة والمتلقية، على حد سواء، للمشاركة في الأعمال الخيرية الخاصة العابرة للحدود وتعزيزها على الصعيد العالمي.
كما استمعت اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ الأميركي، قبل سنوات، لرئيسة فريق بحث جامعة انديانا DR. Una Osili حول دور العمل الخيري والتحويلات المالية في المساعدات الخارجية، وضرورة تخفيف القيود الصارمة، في محاولة من الجامعة وفريق البحث من بذل ما في وسعهم دفاعا عن العمل الخيري ومنع الاستقواء عليه، بحكم استقلالية الجامعة وما تمليه عليها المنهجية العلمية والبحثية المحايدة، بعيدا عن الانحياز لأي جهة كانت، سواء لتوجهات وإملاءات السلطات الرسمية، أو القناعات الشخصية الفردية، أو حتى رغبة الجهات الخيرية نفسها!
[email protected]