الموظفون في أي مؤسسة هم أهم أصولها، والاستثمار في مواهبهم وإمكانياتهم وقدراتهم سينعكس إيجابا على تقدم المؤسسة ونجاحها، ولا يكفي الوقوف عند حد تعيين موظفين على درجة معتبرة من المؤهلات دون منح الموظف مزيدا من التدريب والتأهيل أثناء العمل، فقد ذكر 94% من الموظفين، وفقا لتقرير التعلم في مكان العمل لعام 2019 من Linked In، أنهم سيبقون في الشركة لفترة أطول إذا ما تم الاستثمار في تعليمهم وتطويرهم.
إن المديرين حين يشكون فحسب من ضعف موظفيهم، في حجم الإنتاجية وجودتها، إنما يلعنون الظلام بدلا من إضاءة الشموع، وفضلا عما قد يولده هذا الأمر من حسرة داخلية عند المدير، فإنه يقود إلى خسارة بيئة العمل الصحية، حين يجعلها مشبعة بالتوتر والاحتقان، وقد يتوجه المدير وقتها إلى الخيار الأسهل والأكثر إيلاما بالاستغناء عن الموظف واستبداله، عوضا عن بذل ما في الوسع لتدريب الموظف وتعليمه وتعزيز مهاراته.
ومن بين الطرق الذكية المستخدمة في التدريب، في حقل البحوث والدراسات، على سبيل المثال، إجراء التعديلات على الملفات بنظام التتبع Tracking، الذي يتيح لأعضاء فريق العمل رؤية التعديلات التي يقوم بها المسؤول أو المدير أو حتى زميل آخر ربما اقل في المستوى الوظيفي، كذلك تسجيل فيديوهات تعليمية تصور المدير أو الموظف الأكثر احترافا أثناء أداء مهمة معينة. والتوثيق، بتكليف الموظف بمهمة ضمن إرشادات وتوجيهات مكتوبة، أو معلومات أساسية تعينه على الإنجاز.
لابد أن يحذر المدير من الفوقية، سواء بقصد أو لا شعوريا، أثناء مرحلة التدريب والتطوير للموظفين، وأن يراعي أبسط الأمور، ومنها مثلا استخدام القلم الأحمر، وأذكر هنا، أنني كنت أراجع مسودة دراسة، وكنت وقتها في حديقة، وأردت كتابة بعض التعديلات، ولم يكن متاحا أمامي وقتها إلا قلما أحمر، ومع إرسال نسخة مصورة من هذه التعديلات شعرت بالذنب على استخدام اللون الأحمر واعتذرت بشدة، إذ رأيته لا يليق بالموظف وبيئة عملنا، وكأننا في مرحلة دراسية حتى وإن تشابهت البيئتان في وجود المحبة والولاء وذكرى المدير الجاد المتواضع كالمدرس المخلص.
ومن ذكاء المدير ألا يحبط الموظف بكثرة التعديلات، خاصة إذا كان الأخير ممن يبدون حساسية خاصة تجاه هذا الأمر، أو أن يكون من ذوي القدرات المتواضعة، وهنا، من الممكن للمدير أن يتغاضى عن بعض التعديلات الطفيفة الشكلية، وأن يركز على التعديلات الأساسية والجوهرية، إلا إذا كان الموظف المعني بالمهمة، لقلة خبرة أو تهاون أو كسل، يحتاج الى قدر من التعليم أو التنبيه، بأن تذكر له جميع التعديلات المطلوبة بالتفصيل، وفي نفس المثال الذي طرحته، حول التعديلات بنظام التعقب، فمن السهولة أن يعطي البرنامج أمرا بقبول التعديلات الشكلية والتنسيق، دون عناء، مع إشعار الشخص المعني بها.
وقد يبدو الأخذ بما سبق، للوهلة الأولى، أمرا مزعجا ومتعبا ومضيعة للوقت، لكنه على المدى البعيد سيكون استثمارا ورصيدا للمستقبل، فمن ألذ أوقات العمل تلك اللحظات التي تشعر فيها بتمكين وتطوير الآخرين ممن يعملون معك، وأنك قد زرعت بذرة تنمو مع الأيام لقطف ثمار نجاح زميلك وكأنه نجاحك.
[email protected]