على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا، وظهور سلالات متحورة منه، ومع شروع الدول في تطعيم مواطنيها ضد الوباء، إلا أن الكثيرين بقوا على حالة من الإحجام أو التردد في تلقي اللقاح، إما لعدم ثقتهم بالحكومات، أو تأثرا بطوفان من الأخبار المضللة والمشككة، أو خوفا على حياتهم، خاصة بعد انتشار الأخبار عن وفاة أعداد محدودة من بين الملايين الذين تلقوا اللقاح.
إن تقييم الأمر، وفق منهجية علمية تعتمد الأرقام، يكشف عن وجود قدر كبير ومبالغ فيه في التهويل، سواء فيما يتعلق بالغرض الأساسي من تلقي اللقاح، أو الآثار الجانبية له، إذ إن الهدف الرئيسي للقاح ليس الوصول الى حالة صفرية من الإصابات، بل محاصرة الفيروس ومنعه من الانتشار والتسبب بحالات حرجة قد تفضي الى الموت أو الحاجة لرعاية خاصة في المستشفى.
وبخصوص اللقاح الأكثر إثارة للجدل في منطقتنا العربية، «أسترازينيكا ـ أكسفورد»، فإنه ووفقا لبيان للشركة المصنعة، قد تلقاه أكثر من 17 مليون شخص تم تطعيمهم في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ما بين 4 يناير وحتى 14 مارس 2021، ومن بين هؤلاء كانت هناك 37 حالة جلطة دموية، كان منها 15 حالة «جلطة في الأوردة العميقة»، و22 حالة «انسداد رئوي»، وهو ما يعني أن معدل حدوث جلطة دموية على مدار سنة هو 11.3 جلطة لكل مليون شخص ممن تلقوا اللقاح، مقابل ما يقرب من 1 لكل ألف سنويا من مجموع السكان البالغين.
وخلال التجارب للقاح «فايزر»، والتي شملت 44 ألف شخص، توفي شخصان فقط ضمن المجموعة التي تلقت اللقاح، توفي أحدهما بسبب سكتة قلبية، والآخر بسبب تصلب الشرايين، وأفاد تقرير إدارة الغذاء والدواء الأميركية وقتها بأن جميع الوفيات تمثل حوادث تحصل في عموم السكان من الفئات العمرية بمعدل مماثل.
وهكذا فإن النظرة المنهجية والإحصائية تفضي إلى أن فوائد اللقاحات لاتزال تفوق أي خطر محتمل ينتج عنها، وأن أخذ اللقاح أكثر أمنا وأقل خطرا من عدمه، فمن المحتمل أن تكون أنت واحدا من مليون ممن يتأثرون باللقاح دون أن تموت، ولكن قد تكون واحدا من مائة ممن يموتون بسبب كورونا أو من بين عشرين من مائة ممن يعانون أعراضا مرهقة، إذن فمن المنطقي أن أخذ اللقاح هو الأفضل! ولا يمكن أن تجتمع هذه الأغلبية الساحقة من أهل التخصص والطب ومؤسساتهم على اختلاف مشاربهم على التوصية بضرر لكل البشرية، حتى لو شابت السياسة، كما هي العادة، حروب اللقاحات واختلاف الاجتهادات.
حسنا فعلت بعض الجهات الرسمية في تشجيع المواطنين على تلقي اللقاح دون إجبارهم باعتباره يبقى ضمن مساحة الحرية الشخصية المعتبرة، ومراعية تعدد وجهات النظر كما بينته العديد من استطلاعات الرأي والأرقام الفعلية لمن رفضوا التطعيم، والتي تتفاوت من بلد لأخر وحسب نوع التطعيم والفترة الزمنية ويمكن تقدير نسبتهم بوقت كتابة المقال 20%، وبالاستناد لاستطلاع جامعة مونموث Monmouth University في الولايات المتحدة كنموذج يمكن القياس عليه حيث كانت نسبة الرافضين 24% في شهر يناير 2021، وكما هو متوقع ستبقى هذه الفئة التي لا ترغب بتلقي اللقاح أقلية وستقل مع مرور الزمن، مع استمرار تخفيف القيود على المطعمين وزيادة القناعة بفعاليته، والثقة به.
[email protected]