منذ عام 2014، تقوم منصة InterNations الألمانية، والتي تمثل أكبر مجتمع للمغتربين على الإنترنت بـ 4.1 ملايين عضو من مختلف أنحاء العالم، بإجراء استطلاعها السنوي Expat Insider، والذي يقيم دول العالم كوجهة للمغتربين، بناء على مؤشرات رئيسية خمسة تشمل: جودة الحياة، سهولة الاستقرار، الحياة المهنية في الخارج، الحياة الأسرية، والتمويل الشخصي وتكلفة المعيشة.
وعلى امتداد 7 سنوات من عمر المؤشر، احتلت دولة الكويت المرتبة الأخيرة في ست سنوات منها، والمرتبة قبل الأخيرة في استطلاع 2017، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى الى انخفاض الدرجات في المؤشرات الفرعية لكل من مؤشري جودة الحياة وسهولة الاستقرار.
وفي استطلاع 2021 الأخير، كانت الكويت الوجهة الأسوأ للمغتربين في سهولة الاستقرار، 46% من المغتربين لا يشعرون أنهم في موطنهم في ظل الثقافة المحلية، 45% يجدون الاستقرار صعبا، 51% يجدون مشكلة في اكتساب صداقات جديدة، 62% يجدون مشكلة في اكتساب صداقات جديدة مع السكان المحليين بشكل خاص، وفي المقابل، كانت درجات الكويت أفضل في المؤشرات الفرعية للحياة المهنية في الخارج مثل الأمان الوظيفي، كما كان المغتربون أكثر رضا عن حالة الاقتصاد!
قد تبدو هذه النتيجة صادمة لمن يعرفون الكويت ويعيشون فيها، ومنحازة ومغايرة للواقع في بعض تفاصيلها، مثل الانخفاض في مؤشر السلامة والأمن، رغم أن الكويت دولة آمنة وتتمتع بقدر كبير من السلم الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى، فإن منصة InterNations مجتمع مغلق على الغربيين أو من يستهويهم نمط الحياة الغربية، ممن يرغبون بممارسات، يرونها من رفاهيات الحياة أو متطلبات الحرية الشخصية، لا يتقبلها غيرهم من المحافظين، مثل إقامة رحلات وحفلات مختلطة وعلى ذلك سيكون تقييمهم لمجتمع مسلم محافظ، كما هو حال الكويت، مغايرا للمغتربين من المسلمين، وبشكل عام، فإن بعض المؤشرات قد تكون مهمة عند البعض لتقييم مجتمع ما، لكنها قد لا تكون كذلك عند البعض الآخر!
كذلك، فإن مستوى الحريات المرتفع، في الكويت، قد أتاح لمنصة InterNations إمكانية التواصل مع المغتربين واستطلاع آرائهم والاستجابة بكل حرية، مما انعكس ذلك على ترتيب الدول وتقييمها في سائر المؤشرات.
ومن ناحية علمية، فإن استطلاع Expat Insider لم يستقر على منهجية واحدة في إصداراته المختلفة، حيث تغير عدد أفراد العينة المستطلعة وعدد الدول التي ينتمون إليها من سنة إلى أخرى، كما لم يكن هناك خط ثابت في اختيار المؤشرات، فبعض المؤشرات الفرعية كانت مدمجة في عام ما، ثم تم فصلها عن بعضها في عام لاحق، وبعض المؤشرات تم قياسها على جميع الدول التي عرضتها تقارير الاستطلاعات، على حين تم قياس مؤشرات أخرى على بعض الدول فقط، كما حذفت بعض المؤشرات وأضيفت أخرى لاحقا، ونذكر هنا على سبيل المثال، بأن الكويت في استطلاع 2018 حصلت على المرتبة 48 في مؤشر الأسرة والعلاقات، الذي تم قياسه على مستوى 50 دولة فقط، لكن تقييمها النهائي كان في الدرجة الأخيرة بين 68 دولة.
يضاف لذلك أن المنهجية المستخدمة في بناء المؤشرات، التي يتم قياسها واستخراج التقييم النهائي منها، موضع خلاف، فبعض المؤشرات قد تكون مهمة عند البعض لتقييم مجتمع ما، لكنها قد لا تكون كذلك عند البعض الآخر، وعلى سبيل المثال، كان من بين المؤشرات إمكانية المواعدة وإقامة علاقات عاطفية، على ما يحمله هذا التعبير من معان مختلفة، ومن الطبيعي أن تكون درجة الكويت، على هذا المؤشر، منخفضة بحكم أنها دولة محافظة، خلافا لمجتمعات أخرى توصف بالمنفتحة والتي ستكون درجتها على ذات المؤشر مرتفعة، وكل ذلك سنعكس بالمحصلة على التقييم النهائي للدولة في الاستطلاع.
والخلاصة أن ما جاء في مجمل النتائج قد يكون منسجما مع طبيعة العينة ذات الطبيعة الغربية، مع بعض الخلل المنهجي الذي ذكرت، مع عدم إنكار وجود بعض النتائج التي يمكن للجهات المعنية الاستفادة منها لتحسين صورة الكويت في المؤشر، وقبل ذلك مراعاة فئة مهمة من المجتمع تعيش فترة من حياتها في هذا البلد الطيب.
[email protected]