لسوء حظي أنني حظيت قبل أيام بزيارة «سويسرا العرب» لبنان في ذروة الحديث عن انهياره ـ لا قدر الله ـ بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها منذ الربع الأخير من عام 2019، نتاجا لعقود من الفساد وسوء الإدارة، كان أبرز مظاهره الهبوط الحاد في سعر صرف الليرة أمام الدولار بنسبة وصلت 95%، والذي قاد بدوره إلى انفجار شعبي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للبنانيين، ثم تفاقم الوضع سوءا نتيجة جائحة كورونا، التي تبعها انفجار بيروت في أغسطس 2020، الذي أعقبه فراغ سياسي وفشل مستمر في تشكيل حكومة وانهيار اقتصادي غير مسبوق بنقص الوقود والدواء والحليب وانقطاع الكهرباء، حتى كشف تقرير «المرصد الاقتصادي اللبناني» لربيع 2021 الصادر عن البنك الدولي، الاثنين 31 من مايو، خطورة الوضع الاقتصادي والمالي اللبناني، واصفا الأزمة بأنها «ربما من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدة عالميا منذ أواسط القرن التاسع عشر»، مع توقع أن يقبع أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر في نهاية 2021.
انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية انعكس على جوانب لم يكن يتوقعها أحد، وقد ذكرت للزملاء هناك أني لم أكن استوعب ماذا يجري هنا لولا زيارتي لكم! فهل يعقل أن يكون هناك ثلاث تقديرات لقيمة الليرة أمام الدولار؟ وهل كان أحد يتخيل أن تتحفظ إحدى الجهات الخيرية اللبنانية على قبول الدعم من إحدى كبريات الجهات المانحة بسبب خوفها من أن يؤدي المزيد من انهيار سعر العملة واضطراب سعر تصريفها أمام الدولار إلى عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وأن يصبح قبول المنحة أقرب إلى المغامرة، على حين تعيش جهة أخرى أزمة كيفية إعادة ما تلقته من أموال من جهة كويتية مانحة لشراء مستلزمات طبية وأدوية مزمنة بسبب ارتفاع سعرها وعدم توافرها في السوق.
هذه الحالة الكارثية تعني دون مبالغة أن لبنان الجميل على شفا الانهيار، وأن اللبنانيين يعيشون حالة بائسة من الإحباط من كل ساستهم حينما رفعوا شعار «كلن يعني كلن» قبل عام، ومن ثم القناعة اليوم بعدم جدوى أو ربما عدم القدرة على أي تحرك شعبي، وبات هم المواطن اللبناني، بالدرجة الأولى أن يؤمن قوت يومه، فلم يعد معه مال ولا وقود ليذهب ويحتج في ساحة رياض الصلح الشهيرة!
[email protected]