التعامل مع القدر من أعظم الحكم والنعم على الإنسان، والتي تمزج بين العقل والفكر من جهة، والحياة والممارسة والواقع العملي من جهة أخرى، سواء ما قبل الحدث وما بعده رغم ما بينهما من اختلاف.
قبل الحدث، ينبغي أن يتصرف الإنسان بمعزل كامل عن الركون إلى القدر والرهان عليه، فيسلم بالأسباب ويأخذ بها بمنتهى الجدية والاعتبار دون الالتفات إلى القدر ولا الاحتجاج به في التهاون والتقصير من أخذ كافة الأسباب، وعلى ذلك لا ينبغي أن يقال قبل الحدث، كما يخلط بعضهم، «قدر الله وما شاء فعل»، فقد ورد الحديث بهذا اللفظ ولم يكن المقصود أن الله عز وجل سيقدر وما شاء سيفعل، وهو سبحانه وإن كان سيقدر كل شيء إلا أن الحديث قبل الفعل يختلف في السياق والمضمون عما بعده، ومن الحكمة المطلوبة عندما نخاطب الناس أن نعرف أن حديثنا عما قبل المصيبة يختلف عن ذاك بعدها، فقبل الفعل ينبغي أن يأخذ المرء بكل الأسباب المقنعة والمنطقية، مع ما يقع من الخلاف المعهود في وجهات النظر بين البشر حول ما يؤخذ أو لا يؤخذ به، واختلاف الناس في هذه الأسباب أما لاقتناعهم بها أو غباء وعنادا منهم، لكن مبدأ الأخذ بالأسباب يبقى دون خلاف عليه.
أما بعد الحدث ووقوع القدر فتأتي قوة «قدر الله وما شاء فعل» لتخفيف الأثر النفسي السلبي للحدث، وقلبه إلى إيجابي، بعد أن يكون الإنسان قد أخذ بكل الأسباب ثم حدث ما هو خارج طاقته ولم يكن في الحسبان، وبهذا المعنى جاءت الآية الكريمة (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير (22) لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور (23))، فهي تقرأ بعد الحدث وعقب الأخذ بالأسباب، ووقتها تبدو قوتها، حين تحقق قوة وحالة نفسية إيجابية للإنسان (لكيلا تأسوا على ما فاتكم)، وتطفي على نفسه تلك الراحة والقناعة والتسليم بما حدث، وتجعل ردة فعله متزنة إذا أخذ بالأسباب ثم عرف أن هذا قدره، وخلافا لذلك وعند إهمال الأسباب ستكون ردة الفعل غير متزنة!
بعض السذج من البشر تراوحوا في مواقفهم في هذا الشأن بين الإفراط والتفريط، فهناك المتواكلون الذين أسرفوا في الركون الى القدر دون إعمال الأمر الشرعي بضرورة الأخذ بالأسباب، وهناك السببيون إن صح وصفهم بذلك ممن أفرطوا في التعلق بالأسباب وأهملوا القدر مغفلين أن الأمر كله بيد الله عزوجل، وما بين هؤلاء وأولئك يأتي الفهم السليم في قوله صلى الله عليه وسلم «أعقلها وتوكل» فالتوكل الصحيح يتضمن الأخذ بالأسباب ولا يعارضها ولا هي تعارضه.
[email protected]