لا يعني الحديث عن صناعة «الصف الثاني» أن جميع الموظفين سواء، وأنهم مؤهلون ليكونوا منه، فهناك من تؤهلهم خبراتهم وقدراتهم لذلك، وهناك أيضا من هم غير مؤهلين حتى للبقاء في المؤسسة لأنهم عبء عليها، وما بين هؤلاء وهؤلاء آخرون، وعلينا أن نحسن الاختيار وتبقى عيوننا على صناعة الصف الثاني ومن يخلفنا.
طلبت من أحد الموظفين الجدد، والمأمول أن يصبح من قيادات المؤسسة، إدارة اجتماع، وعشت وقتها سعادة واعتزازا وفخرا بأن أكون سببا في تطوير زميل بهذه السرعة في إدارة المهام وتحمل قدر أكبر من المسؤوليات، أكثر مما كان هو نفسه يتوقع بل وأكثر مما يمليه عليه وصفه الوظيفي المباشر أحيانا.
يصبح الموظفون عبئا على مدرائهم وعلى المؤسسة مستقبلا إذا لم يتطوروا، وقد نكون نحن السبب إذا لم نهتم بمرحلة صناعة «الصف الثاني» والإعداد واستشراف المستقبل لما ستكون عليه المؤسسة بعد عشر سنوات مثلا، حينما يغادر المنتمون إلى جيل المديرين الحالي متقاعدين أو متوفين.
لصناعة «الصف الثاني» أدبياتها وأدواتها ومراجعها، وحتى تحدث هذه الصناعة بطريقة ذكية، هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكن الاستفادة منها، والتي عادة ما يتم تطبيقها في المؤسسات بغض النظر عن نوعها، ومنها: التفويض والتمكين والتحفيز والتقييم المستمر والتدريب والتثقيف على رأس العمل والترقية.
ومن الممارسات التي تسهم في صناعة «الصف الثاني» والتي شهدتها في إطار عملي، انخراط الموظف مع المدير في الأمور التي تصنف على أنها خاصة ولا تطلع عليها عادة إلا الإدارات العليا، فهذا يعطي الموظف دفعة قوية جدا لمعرفة المعلومات، وأذكر في مشروع مع إحدى الجهات البحثية، حين طلب مني عقد اجتماع، أنني طلبت أن يكون معي فلان وفلان، فكان رد الجهة باستغراب أننا هذه المرة نريدك وحدك فقط لأن هناك أمورا خاصة نريد مناقشتها، وقد ولد موقفي انطباعا لديهم بأنني أرغب دائما أن يصاحبني فريقي في أدق الأمور، وهو بلا شك قد يعتبر نقطة ضعف ولكني ما زلت أرى الجانب المضيء فيه.
وإذا كانت هناك مهام من الممكن أن يشترك فيها أكثر من شخص، أو كانت المهمة تدريبية أو تعليمية، فإنني أصر على تواجد الفريق حتى ولو كان الأمر شكليا، أو نظر أحد من الفريق إلى الأمر كمضيعة للوقت أو أنه بعيد عن تخصصه، ومن ذلك، تلك التجربة المميزة في مشروع استطلاعي كبير مع إحدى الجامعات العالمية، حيث كان من الضروري لرصد الإنجاز وضبط الجودة مراقبة أنظمة جمع البيانات، وفي العادة يتاح لشخص واحد فقط الدخول والاطلاع على البيانات والاستماع إلى التسجيلات الصوتية، ولكني أصررت مرارا أن يشارك في ذلك أكثر من شخص من أعضاء فريقي المتواجدين في دول مختلفة، وكل ذلك بهدف الاطلاع والتعلم ونقل التجربة والإعداد لمن يخلفهم.
كذلك، مما يسهم في صناعة الصف الثاني، الثناء على أعمال الموظف في بداياته أمام الإدارات العليا ومساندته ليعرف أكثر عن أهميته ودوره وأن المؤسسة كانت تنتظره وأعدت له ما يصنعه ويسهل مهامه قبل أن يأتي أصلا، وأذكر هنا أنني توقعت أن يكون معي مستقبلا موظف في موقع معين، فقمت بإنشاء إيميل له وداومت على مراسلته، على أمل أن يأتي الموظف يوما ويعتبر مراسلاتي أرشيفا له ولمن سيأتي بعدي وبعده.
[email protected]