للألقاب لذة في النفس، لاسيما لحظة اكتسابها وبريق الفرح بها حينما تأتي ثمرة للنجاح وبعد جهد وتعب، لكن اللذة الأكبر هي حينما نتخلص منها من أعماق أنفسنا، ليس تواضعا فقط، وإنما حينما نتقدم بعلمنا، ونشعر أننا أكبر من تلك الألقاب والمناصب وأنها بذاتها لا تضيف لنا شيئا.
مع تفهمي لأهمية وأحقية الألقاب بل وضرورتها في بعض بيئات العمل ومؤسسات التعليم وغيرها، ولكن من المؤسف سيطرتها على حياتنا العامة وداخل المؤسسات الأكاديمية أو خارجها، في اللقاءات الوجاهية وحتى الافتراضية بشكل مبالغ فيه، والإصرار على أن تضاف حروف الدال أو الميم أو لقب «معالي» و«سعادة» وغيره من دون حاجة ملحة وفي غير سياقها!
تعاملت مع أساتذة كبار في العالم العربي والغربي ولم أجد هذا الإصرار على استخدام هذه الألقاب بطريقة منفرة، بل على العكس! فقد رأيت من يغضب إذا قال له صاحبه المقرب «دكتور»، وكأنه يشعر بفجوة مفتعلة حتى لو قيلت بحسن نية واحترام! وما زلت أذكر ذلك الأستاذ الدكتور في جامعة ديلاوير الأميركية، الذي اقترب السبعين من عمره، وهو يتعامل بكل بساطة وأريحية مع الطلاب، وهم يخاطبونه باسمه المجرد «جان» دون أي لقب!
هذه ليست دعوة لهجر الألقاب فأيضا للناس منازلهم وإنما دعوة لترشيدها ولاسيما في عالمنا العربي، حيث نجد اهتماما زائدا بالألقاب، وما أن يكتسب بعضهم اللقب إلا وتراه مستميتا في التمسك به، كما لو أن هذا اللقب بذاته هو ما يمنحه القيمة والاحترام، فتراه مصرا على ذكر لقبه حتى لعامل توصيل الطعام الذي ربما لن يراه مرة أخرى! ويستشعر الانتقاص وربما الإهانة إن نسي أحدهم مخاطبته باللقب!
ومع الإقرار بوجود نسبة كبيرة ممن يحملون ألقابا عن جدارة واستحقاق وأصحاب مناصب يستحقونها، إلا أن هناك البعض ممن يحملون ألقابا لا يستحقونها ولا تمنحهم إلا بريقا مزيفا، مغلفا بالتعالي على الآخرين.
وكم من الأسماء، قديما وحديثا، قد حفرت مكانا في ذاكرتنا، دون الحاجة إلى أي لقب، بل بما قدمته من عطاء علمي وأثر عملي وما اتصفت به من رقي أخلاقي، وهو الأمر الذي طالما أكدته النصوص الشرعية، كقوله تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «خير الناس أنفعهم للناس».
[email protected]