أستذكر أحدهم الذي قدر الله له أن يكون الجد المعيل لمجموعة من الأيتام، وكيف أنني كنت وعلى امتداد عام ونصف العام تقريبا ألح عليه في أن يتقدم بنفسه إلى إحدى الجهات الخيرية، لتصرف له معونة مالية تعينه على كفالة الأيتام!
وكان الرجل لعزة نفسه وصعوبة الأمر عليه، خاصة أنه ينتمي إلى إحدى العشائر الأردنية الكبيرة، يتمنع عن الأمر إضافة إلى تكبد عناء إعداد الأوراق اللازمة لطلب المعونة والذهاب من مدينته إلى العاصمة الأردنية عمان التي تبعد 25 كيلومترا عنها، لكن ظروف الرجل في النهاية دفعته إلى تقبل الأمر، وكان أن تكفلت جهة خيرية كويتية بتقديم مساعدة مالية له كل أربعة شهور!
قصة من قصص لكثيرين، قد تدفعهم عزة النفس أو أمور أخرى إلى الإحجام عن طلب العون بأنفسهم، مما يدفعنا إلى البحث عن السبل الكفيلة بالوصول إلى المستفيدين أو المحتاجين، مع الحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم، وأن نبادر نحن بالبحث عنهم وتحري أماكن وجودهم قدر المستطاع، مبتعدين عن تلك العقلية التي تشترط على المحتاج أن يقوم هو بالقدوم إلى الجهات الخيرية وإخبارها عن حاجته!
ومن التجارب المميزة في المبادرة إلى مخاطبة المستفيدين دون انتظارهم بشكل عام، نموذج المنح في مبادرة العمل الخيري الإسلامي MPI، والتي تأسست عام 2017 كمبادرة من معهد Lake للإيمان والعطاء في كلية Lilly Family للعمل الخيري بجامعة إنديانا الأميركية، والتي تقوم بتنظيم ندوات ولقاءات، وتعقد برامج تدريبية وتجري أبحاثا وتستقطب المسلمين في هذا المجال لتدريب وتمكين جيل جديد من قادة الأعمال الخيرية وغير الربحية، حيث تقوم المبادرة بالطلب ممن يعرفون أناسا تنطبق عليهم المواصفات بالتواصل مع الجامعة ببياناتهم، وليس العكس بانتظارهم هم للقدوم والطلب.
وأذكر هنا، في إحدى الدراسات البحثية لقياس الصورة الذهنية لإحدى الجهات الخيرية، كيف اهتمت تلك الجهة بأن يكون مستفيدوها من بين الشرائح التي ستتناولها الدراسة، وقررت أن تبادر هي لاستطلاع آرائهم حول أدائها دون انتظارهم ليدلوا هم بها من تلقاء أنفسهم، مع تأكيدها على ضرورة مخاطبة المستفيدين باسمها الرسمي لا اسم الجهة البحثية التي تقوم بالدراسة مراعاة لخصوصية بياناتهم ومشاعرهم.
إن من إبراء الذمة أمام الله عز وجل، وتحقيق التماسك الاجتماعي، أن يعمل المرء على رصد مواطن الحاجة في مجتمعه، وتلبيتها بنفسه أو عن طريق غيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله»، وحديث: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم».
[email protected]