هناك عدة أدوات لمعرفة الفساد وتعزيز الرقابة الداخلية والحوكمة في مختلف القطاعات، العام والخاص والقطاع الثالث غير الربحي، ومن ضمنها صناديق الشكاوى، ومنهجيات الإفصاح في مراكز الاتصال، والعميل الخفي.
لكن هناك من الأدوات ما يمكن استخدامها بشكل أكثر ردعا، ومنها أن تعرف ما أشكال الفساد، وهو ما يتطلب أن تكون هناك أداة للسؤال عن الفساد من مختلف المعنيين به، في بعض الأحيان قد يكون متلقي الخدمة هو المعني ويكشف لك أنماطا من الفساد، وأحيانا أخرى قد يكون المعني مقدم الخدمة، أو الأقران، أو المختصين، أو عامة الناس، وفي بعض الأحيان قد يكون المعني أناسا لا تتوقعهم وعادة لا يهتم الآخرون بآرائهم، وهذا بدوره يتطلب تعدد الأدوات المستخدمة لمعرفة الفساد، مع الحذر من ظلم الآخرين في هذا الإطار والتعامل مع تعدد الأدوات باحترافية وربما حتى الذكاء الاصطناعي!
والشاهد هنا أنك لا تنتظر التغيير، بل تردع الفساد وتعزز الرقابة، وأنت بهذا الأسلوب ستكتشف معلومات كيفية عن أدوات الفساد، وأذكر هنا أنني كنت ضمن فريق بحثي يتولى دراسة تتعلق بالرشوة والفساد، ووجدنا خلال البحث طرقا وأدوات وعرفنا معلومات عن الفساد لم نكن نتوقعها، والتي لم نكن لنكتشفها لولا اتباعنا لنمط معين في التعرف على الفساد.
وفي الإطار الرسمي، أنشأت دول عديدة هيئات للنزاهة ومكافحة الفساد، وقد اعتمدت هذه على ردع الفساد بالطلب، والذي اتخذ بدوره صورا عديدة، اتخذ بعضها طابع الترغيب أو الترهيب، انطلاقا من أن دور الأفراد أساسي وفاعل في محاربة الفساد، فهم الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الدوائر الحكومية وما تقدمه من خدمات، مما يجعلهم الأكثر قدرة على كشف مواطن الفساد والإبلاغ عنه.
وتم تأطير دور الفرد قانونيا، كما هو الحال في المادتين (20، 37) من قانون هيئة مكافحة الفساد والإقرار بالذمة المالية في الكويت، واللتين اعتبرتا التبليغ عن وقائع الفساد واجبا، وليس مجرد حق، للمواطن، مع اعتباره متواطئا في الجرم إن امتنع عن الإبلاغ، ووفرت للمواطنين طرقا عديدة للإبلاغ، عبر نماذج إلكترونية أو مقابلات شخصية، تتضمن قيام المبلغ بتضمين معلومات للاتصال به.
ومن ناحية أخرى، أكدت القوانين على معاملة البلاغات والشهادات بمنتهى الاهتمام والحرص والسرية، وفرضت وسائل حماية عديدة للمبلغ مع تقديم البلاغ أو طلب الإدلاء بالمعلومات وبعد ذلك، مثل إخفاء هوية المبلغ، وتوفير الحراسة الأمنية له في حال تعرضه لخطر محدق، وتأمين حضوره جلسات المحاكمة، وتغيير محل الإقامة أو محل العمل أو كليهما، مؤقتا أو دائما مع توفير بدائل مناسبة، وتغيير أرقام الهواتف الخاصة أو مراقبتها بناء على طلب من صاحبها، وتوفير رقم هاتف للطوارئ لتلقي استغاثة ممن تشملهم الحماية من أي اعتداء أو تهديد محتمل، مع إتاحة المجال للمبلغ لاختيار الوسيلة أو التطبيق للإدلاء بأقواله بشكل يكفل سريته وسلامته.
كما أبطل القانون أي إجراء ضد المبلغ، بسبب دوره في مكافحة الفساد، يغير من مركزه القانوني أو الإداري أو ينتقص من حقوقه أو يحرمه منها أو يشوه مكانته أو سمعته أو أي تدابير أو إجراءات أخرى سلبية، مع الجزاء التأديبي لمن اتخذ مثل هذا الإجراء، والالتزام بتعويض المبلغ عن أي ضرر جسدي يلحقه بسبب بلاغه.
ووصلت بعض ممارسات الأجهزة الرسمية في إلحاحها على المواطن للقيام بدوره، إلى مخاطبته عبر الرسائل القصيرة sms بالتبليغ عن الفساد، في إجراء مبطن للردع، يشمل كل من يستقبلون الرسائل، ولا يقتصر فقط على الفاسدين أو المبلغين عنهم حتى إلى الإعلان بتوفير حوافز مالية للمبلغين عقب قيامهم بالتبليغ عن وقائع الفساد وهو ما يحتاج لنقاش آخر!