بصورة مستمرة وغير مقنعة نشهد ربطا بين مصطلحين دون غيرهما: غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مع تعدد الهيئات والجهات الدولية التي تعمل على مكافحتهما، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة العمل المالي (FATF)، وأصبحت الأخيرة المسؤول الأساسي عن تطوير المعايير العالمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومرة أخرى كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 هي نقطة التحول التي دفعت إلى توسيع نطاق عمل المؤسسات والجهات الحكومية والاستنفار ليشمل مكافحة تمويل الإرهاب الى جانب مكافحة غسيل الأموال، برغم أن هاتين الظاهرتين تختلفان من نواح عديدة، حتى لو أحتج أنصار الجمع بينهما أنهما غالبا ما تستغلان نفس نقاط الضعف في الأنظمة المالية التي تسمح بمستوى غير مناسب من إخفاء الهوية والتعتيم في تنفيذ المعاملات، الى جانب التشابه في العواقب المحتملة لهما على اقتصادات دول العالم، بما تمثلانه من خطورة على سلامة واستقرار المؤسسات والنظم المالية، وزيادة تقلب التدفقات الرأسمالية الدولية، والتأثير المثبط على الاستثمار الأجنبي المباشر.
ولأن غسيل الأموال قد يرتبط بغير تمويل الإرهاب بصورة أشد فإن هذا الربط بين الظاهرتين أمر متعسف ومجحف الى حد بعيد لما بينهما من اختلاف، ففي العادة، يعرف تمويل الإرهاب على أنه التماس الأموال أو جمعها أو توفيرها بقصد استخدامها لدعم أعمال أو منظمات إرهابية، وقد تأتي هذه الأموال من مصادر قانونية أو غير مشروعة.
ويعتبر الشخص مرتكبا لجريمة تمويل الإرهاب إذا قام بأي وسيلة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل غير قانوني وعن عمد، بتقديم أو جمع الأموال بقصد استخدامها أو مع العلم أنه سيتم استخدامها، كليا أو جزئيا، لصالح كيان إرهابي، منظمة أو فردا!
وفي المقابل، يعد الشخص مرتكبا لجريمة غسيل الأموال إذا كان يعلم أن الأموال متحصلة من جريمة (مثل الاتجار بالمخدرات والتهريب والاتجار بالبشر والفساد وغيرها)، وقام عمدا بأي مما يلي: التحويل أو النقل أو الاستبدال، والإخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، واكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها.
ويبدو الفرق واضحا بين الظاهرتين، ففي حين أن الأموال الموجهة لتمويل الإرهاب قد تكون من مصادر قانونية أو غير ذلك، بل وربما اعتمادا على تبرعات قدمها البعض بحسن نية، وهو ما لا ينبغي أن يجرم، إلا أن مصدر المال يكون دوما غير مشروع في غسيل الأموال، وبينما تهدف العملية الأخيرة وبشكل حصري الى إخفاء المصدر الحقيقي للمال، فإن الهدف الأساسي للأفراد أو الكيانات الضالعة في تمويل الإرهاب هو إخفاء كل من مصادر التمويل وطبيعة النشاط الممول.
وبالنظر الى طبيعة غسيل الأموال، فإنه يبدو أكثر اتصالا بالفساد الذي قد يقع في القطاعين العام والخاص، وهو دوما يتضمن حركة لمبالغ كبيرة، تعبر عنها قضايا الفساد الكثيرة التي تورط فيها مسؤولون في العديد من بلدان العالم، ممن تضخمت أرصدتهم بإيداعات كبيرة مشهورة في دول كثيرة، استخدموا شركات خارجية سرية لإخفاء ثرواتهم، ومارسوا التهرب الضريبي وغسيل الأموال التي قدرها البعض بما لا يقل 5.6 تريليونات دولار وفق وثائق باندورا مثلا، وفي مقابل ذلك، فإن تمويل الإرهاب يمكن أن يتم بمبالغ بسيطة لا تتجاوز مئات الدولارات من أفراد قد يعلمون أو لا يعلمون عن وجهتها الحقيقية لا ينبغي التهاون في تجريمهم!
إن هذا الربط بحاجة الى المراجعة التي ينبغي أن تنعكس في القوانين واللوائح المطبقة، خاصة بعد أن ظهر في أسوأ صورة حين استخدم للتضييق على العمل الخيري بحجة محاربة الإرهاب، وهو ما دفع جهات أكاديمية وتقارير عالمية الى رفض هذه المبررات واعتبارها معيقة للعمل الإنساني، وهو ما فصلته في مقال «باحثون في صف الإنسانية»!! فأين هي الجهات الخيرية التي مارست غسيل الأموال، فضلا عن أن تستخدمه لتمويل الإرهاب بما يستحق هذا الربط المجحف باستمرار واستخدامه دون غيرة!
[email protected]