منذ ما قبل وصول حركة طالبان إلى السلطة في سبتمبر الماضي، ويصرح البعض بأن العالم لن يعترف بقيام أي حكومة تفرض بالقوة في أفغانستان وباستعادة الإمارة الإسلامية، واستمر هذا النهج في رفض الاعتراف بالحركة إلى الآن بعد مرور ما يقرب من أربعة شهور على سيطرة طالبان.
يربط المجتمع الدولي عامة، والولايات المتحدة بشكل خاص، الاعتراف بالحركة بحزمة من المطالب، كنبذ الإرهاب وحماية وتمكين المرأة وتمثيل الأقليات العرقية والدينية في الحكومة الأفغانية، ورغم ذلك، شهدت الشهور الماضية ما يمكن تسميته بـ«الاعتراف دون الاعتراف»، حين قامت العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، بإجراء محادثات مع حركة طالبان حول العديد من القضايا السياسية والإنسانية، دون منحها الاعتراف الذي طالما صرحت دول عدة بأنها لا تستعجله!
هناك الكثير مما يفرض ضرورة الاعتراف الدولي والعاجل بحكومة أفغانستان الجديدة واعتبارها شرعية تتمتع بكل الحقوق والمزايا المتعارف عليها دوليا، فهي لم تصل بداية بمجرد فرض الأمر الواقع، بل من خلال استفتاء شعبي غير مباشر وغير تقليدي من الشعب الأفغاني، والذي سهل للحركة - سواء اتفقنا أو اختلفنا - أن تسيطر على مناطق واسعة من البلاد خلال زمن قياسي، وهو ما كنت قد أشرت إليه في مقال «دعهم يحكمون.. قد ينجحون أو يفشلون!».
كما أن عدم الاعتراف، وما تبعه من تقييد وصول الدعم والمساعدات، وعدم دمج أفغانستان في المنظومة العالمية، سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأفغاني، والتأثير سلبا وبشكل جدي على حياة الملايين من الأفغان، ممن يعيشون منذ عقود في ظروف إنسانية صعبة، من الفقر والبطالة وتدني الاحتياجات الغذائية والطبية، والتي ستكون مرشحة لمزيد من التفاقم وحدوث كارثة إنسانية وخيمة إن لم يتيسر وصول العون دون عوائق كما هو منشور في تقارير المنظمات الإنسانية ومن أبرزها تقرير اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي لعام 2022 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، بالإضافة لما ينقله العاملون في القطاع الإنساني كان آخرها قبل أيام في اتصال هاتفي مع موظف في برنامج الغذاء العالمي من وسط كابول!
وهنا تبدو الحاجة ماسة إلى الاعتراف لغايات إنسانية لا سياسية، إذ إنه سيسهل تدفق ووصول المساعدات الإنسانية التي تمس حاجة الشعب الأفغاني إليها، حين تكون هناك مرجعية وجهة موحدة معترف بها دوليا كممثل شرعي، تستطيع الدول والمنظمات الإنسانية أن تتعامل معها وتوجه إليها الدعم دون أي حرج أو قيد، وأن تتعاون معها لتخفيف المعاناة الإنسانية، وأن تسائلها كذلك وتحوكم إدارتها للمساعدات!
الاعتراف مطلوب كذلك حتى تتمكن طالبان من الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها، وتجاه المجتمع الدولي، حيث سيضفي عليها الشرعية كممثل وحيد للشعب الأفغاني، ويمنحها التفويض لمواجهة الحركات المتطرفة والخارجة عن القانون، ويمكنها من تحقيق الأمن وهو العنصر الرئيس المطلوب لتحقيق أي تنمية.
إن استمرار عقاب الشعب الأفغاني في أمنه وقوته، بعدم الاعتراف بطالبان، غير مبرر، خاصة في ضوء المؤشرات الإيجابية العديدة التي صدرت عن الحركة، وهو سيدفع بكثيرين من الحركة وغيرها إن عاجلا أم آجلا نحو دوامة التطرف والتشدد.
[email protected]