يقتضي نجاح العمل الإنساني اتصافه بالحياد، بعيدا عن أي حسابات سياسية أو غيرها، وعلى خلاف ذلك، جاء تصريح جان إيجلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، قبل أيام، بأن الأموال لن تذهب للرجال الملتحين «the money is not going to men with beards»، في إشارة ضمنية إلى أن المساعدات الموجهة إلى أفغانستان ستقدم من خلال منظمات إنسانية مستقلة لتوفير الاحتياجات الطارئة للشعب الأفغاني، وليس من خلال حركة طالبان التي لم تحظ بالاعتراف الدولي حتى الآن.
ورغم أن هذا التصريح قد يبدو مستفزا للبعض، إلا أنه لابد من مراعاة البيئة الثقافية لقائله، وأن يوضع الأمر في حجمه الطبيعي، فهو ليس إلا تصريحا لممثل واحدة من عشرات إن لم تكن مئات الجهات المانحة والعاملة في أفغانستان، وهو يملك الحرية في اختيار الطريقة المناسبة لتطمين أولئك ممن يتبرعون لمنظمته، التي ليست البوابة الوحيدة لوصول المساعدات، لكن ذلك في المقابل لا ينفي ضرورة تنبيه الآخر إلى احترام خصوصيتنا الثقافية، والتباين في مفهوم الحرية، إذ إن التعريض باللحية، حتى وإن لم يقصد به إيجلاند أو غيره الإهانة، إلا أنه سيفهم كإساءة للمجتمعات الإسلامية ككل، وليس إلى طيف سياسي بعينه، وما يعني المراقب في المحصلة هو تحقق الهدف بوصول العون إلى الشعب الأفغاني وتخفيف معاناته.
إن الخلط بين السياسي والإنساني في الشأن الأفغاني ليس أمرا جديدا، سواء باستخدام المساعدات الإنسانية كأداة سياسية منحا أو منعا، أو حصر تقديم المساعدات ضمن قنوات معينة، أو ربط الاعتراف السياسي، الضروري لضمان تدفق المساعدات بالحجم والسرعة المطلوبين، بتحقيق مطالب معينة للمجتمع الدولي، وهو الأمر الذي سبق أن أشرت له في مقال «اللعب بالإنسانية في أفغانستان» على الرابط التالي: https://alanba.com.kw/1086861.
ومن جهة أخرى، فإن هذه التصريحات محدودة العدد، وهي كذلك في المحصلة ستكون محدودة التأثير، خاصة إذا كان للمانحين العرب والمسلمين دور أكبر في تقديم العون إلى أفغانستان، كما أن هناك الكثير من الضرورات المنطقية والواقعية والإنسانية التي تتطلب الاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة والتعامل معها، ومن أبرزها تحقيق الأمن والتنمية لشعبها بعد عقود من المعاناة، وهو ما تناوله مقال «الاعتراف بحكومة الأفغان.. الإنسانية قبل السياسة!» https://alanba.com.kw/1094540.
إن الوضع الإنساني الكارثي في أفغانستان وما يتطلبه من جهد دولي، قد دفع بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) الى إطلاق خطته للاستجابة الإنسانية في أفغانستان، والتي يبلغ حجم احتياجاتها من التمويل إلى 4.44 مليارات دولار، فيما يمكن اعتباره أكبر نداء إنساني يتم إطلاقه على الإطلاق لأي بلد في العالم، وأمام مثل الوضع ينبغي أن يترفع الجميع عن أي تصريحات مستفزة وأي مناكفات سياسية أو أيديولوجية!
[email protected]