يعد الاحتكام للإرادة الشعبية، واحترام خيار الناخبين القادم عبر صناديق الاقتراع، والتعامل مع الحكومة المنتخبة كحكومة شرعية تمثل إرادة منتخبيها من أبرز ملامح الديموقراطية، والتي تسقط مرارا وتكرارا من الغرب عندما تصل جهات إسلامية الى السلطة في انتخابات حرة ونزيهة لتشهد على نكوص الغرب على عقبيه.
ولعل ما فعله الغرب، بمقاطعته وحصاره لحكومة حماس المنتخبة عام 2006 خير شاهد على ذلك، لتنتقل العدوى من الحكومات والاعلام الى بعض الفئات من شعوبها كما عكسته استطلاعات الرأي التي نفذت عقب فوز حماس، حيث أظهر استطلاع Gallup فبراير 2006 أن 57% يعتقدون أنه يجب على الولايات المتحدة عدم تقديم أي مساعدات مالية لحماس التي تقود السلطة الفلسطينية، في حين أن 30% يعتقدون أن المساعدات يجب أن تعطى في حال وافقت حماس على الاعتراف بإسرائيل، وهكذا هي الحال في العديد من الاستطلاعات التي بينتها في كتاب «الصراع العربي الاسرائيلي في استطلاعات الرأي الأميركية» الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
ومن جهة أخرى، يساوي الغرب بين العنف المفرط وغير المشروع الموجه ضد الأبرياء من المدنيين والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال التي كفلتها كل الشرائع والمواثيق، ويساوي بين الجلاد والضحية، وقد يمعن في تطرفه فيقلب الحق باطلا والباطل حقا بأن يحمل الضحية كامل المسؤولية، كما جاء في العديد من اسئلة استطلاعات الرأي حيث كشف استطلاع PEW عقب حرب 2014 على غزة، أن 40% من الأميركيين يرون أن حماس هي المسؤول الأكبر عن العنف، مقابل 19% فقط ممن يرون إسرائيل كذلك، و14% ممن يساوون بين الطرفين!
وفي استطلاع Gallup في ذات الفترة، اعتبر 42% من الأميركيين أن هجمات إسرائيل على حماس مبررة مقابل 38% يرونها غير مبررة، وعلى الجانب الآخر، اعتبر 14% فقط أن هجمات حماس على إسرائيل مبررة بينما يراها 66% غير مبررة!
وعقب الحرب الأخيرة على غزة في 2021، اظهر استطلاع Harvard CAPS-Harris أن 60% من الأميركيين حملوا حماس المسؤولية عن العنف وسفك الدماء مقابل 40% ممن حملوا إسرائيل المسؤولية عن ذلك. كما عبر 17% فقط عن نظرة مفضلة تجاه حماس مقابل 50% عبروا عن نظرة مفضلة تجاه إسرائيل، ويبدو الأمر مفرطا في الاختزال حين يطلب من المرء التعبير عن موقفه من جهة ما بمجرد كونها مفضلة أو غير ذلك، في إهمال لكثير من التفاصيل التي لو أخذت في عين الاعتبار لكانت المحصلة مختلفة!
وعلى ذات الخط، كان استطلاع The University of Maryland’s Critical Issues بإشراف مديره د.شبلي تلحمي عام 2021، والذي وإن لم يذكر فيه اسم حماس صراحة، إلا أنه اظهر أن 32.1% من الأميركيين يحملون الفلسطينيين مسؤولية العنف، مقابل 19.2% ممن يلقون باللوم على إسرائيل، و43.1% ممن يحملون المسؤولية للطرفين!
وإذا كانت هذه الآراء تعكس موقفا ظالما ومتحيزا، فإن الأسوأ منها هو تحولها الى قرارات حكومية ملزمة، تفرض على البعض ضرورة الالتزام بما لا يقرون به أصلا، كما هو الحال مع قرار الحكومة البريطانية، في نوفمبر الماضي، بحظر حركة حماس بجناحيها السياسي والعسكري، في كامل أراضي المملكة المتحدة، على اعتبارها «منظمة إرهابية»، مع تحذير المنتمين إليها والمناصرين لها من عقوبات السجن المشددة، وهو موقف جديد يضاف الى رصيد الحكومات البريطانية المنحازة عموما لصالح الصهاينة!
وبرغم أن بعض الفئات في الغرب، مثل الديموقراطيين، تختلف في آرائها تجاه القضية الفلسطينية وحركات المقاومة، إلا أن النتائج العامة تعكس نظرة الغرب المركزية لنفسه، وكيف أنه يريد دون وجه حق أن يفرض رؤيته على بقية العالم في تعريف الإرهاب والعنف.
[email protected]