لا تشكل النزاعات والحروب المعاصرة كارثة على البلدان التي تقع فيها فحسب، بل إن لها تأثيرا على البلدان المجاورة لها، وبدرجات متفاوتة وآثار متنوعة إنسانية واقتصادية وأمنية وبيئية وغيرها.
ومن أبرز الآثار الإقليمية للنزاعات، على الدول المجاورة، تدفق موجات اللاجئين عبر الحدود طلبا للأمان، والذي يفرض بدوره عبئا اقتصاديا على دول الجوار لاستضافة هؤلاء اللاجئين وتوفير الاحتياجات الإنسانية لهم، فضلا عن التراجع أو التوقف الكامل لحركة التجارة بين هذه الدول ودولة النزاع، والاستنفار الأمني على الحدود المشتركة للحيلولة دون تسرب عناصر معادية أو مخربة إلى دول الجوار قد ترتكب أفعالا تخل باستقرارها وأمنها.
وتقف الحرب السورية على رأس قائمة النزاعات في هذا الإطار، والتي خلفت ما اعتبرها البعض أكبر أزمة لاجئين عالميا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجلين منذ 2011، والذين يعيشون في الخارج ما يقارب 5.7 ملايين شخص حتى 31 يناير 2022، تعيش غالبيتهم في الدول المجاورة لسوريا (تركيا 3.7 ملايين، لبنان 839.788، الأردن 673.188، العراق 256.006).
ووفقا لبعض التقديرات في أواخر 2020، بلغ ما تحمله الأردن بسبب الأزمة السورية ما يتجاوز 10 مليارات دولار، وفي تركيا بلغت تكلفة استضافة اللاجئين السوريين 40 مليار دولار منذ عام 2011، وقدر البنك الدولي تكلفة الاستضافة في لبنان بـ 4.5 مليارات دولار سنويا، تشمل مليار دولار كتكاليف مباشرة و3.5 مليارات دولار كتكاليف غير مباشرة، وهو الأمر الذي تطرقت إليه سابقا في مقال «عطاء المجتمعات المستضيفة مع اللاجئين»!
وإذا ما استثنينا فنزويلا الثانية عالميا في عدد اللاجئين، 5.6 ملايين منذ عام 2014 بسبب انهيار اقتصادها، تأتي أفغانستان التي تسبب الصراع المستمر فيها منذ عقود في لجوء 2.6 مليون، يعيش معظمهم في البلدين الجارين باكستان وإيران.
ومؤخرا، جاءت الحرب الأخيرة في أوكرانيا، فيما يمكن اعتبارها أكبر أزمة إنسانية ستواجهها أوروبا خلال السنوات المقبلة، على حد وصف رئيس الاتحاد الدولي للصليب الأحمر فرنشيسكو روكا، إذ فرضت على دول الاتحاد الأوروبي استقبال موجات متتابعة ومستمرة من اللاجئين الأوكرانيين، بلغ عددهم حتى كتابة هذا المقال في نهاية مارس 2022 نحو ثلاثة مليون، وهو ما يوازي العدد الإجمالي للاجئين الذين وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي خلال عامي 2015 و2016، تستضيف القسم الأكبر منهم الدول المجاورة، وأكثرها پولندا بما يقرب من مليونين، ورومانيا نصف مليون، وغيرها من الدول مثل: بيلاروسيا، مولدوفا، هنغاريا وسلوفاك.
مثل هذه الوقائع تؤكد أن الأمن والاستقرار والرخاء، لبلد ما، مطالب لا يمكن تحقيقها بمعزل عما يحدث في محيطها، وأن على دول العالم أن تتبنى نظرة استباقية واستشرافية للمستقبل، تعمل على حل الخلافات بالطرق السلمية دون أن تتطور إلى نزاعات وحروب تهلك الحجر والبشر بما يتجاوز الأطراف المباشرة للحروب وبما فيهم الدول المجاورة، فإذا ما وقعت الأخيرة تضامنت الدول في تخفيف آثارها حتى لا تقع تبعاتها وتكاليفها فقط على دول الجوار!
[email protected]