لا يجادل أحد في أن هدر الطعام قد بات مشكلة ملحة وكبيرة، وتشهد بذلك كثير من الإحصائيات والأرقام التي تناولت هذه الممارسة السيئة عالميا ومحليا والتي تعرضت لها سابقا في أكثر من مقال، وتناولتها العديد من الدراسات ومنها ما اصدره المركز العالمي لدراسات العمل الخيري في الكويت بعنوان: «ظاهرة هدر الطعام الفائض وسبل الاستفادة منه»، والتي عرضت لنتائج استطلاع لعينة من المطاعم والفنادق وشركات التجهيزات الغذائية والمستفيدين حول الطعام الفائض في الكويت، حيث اعتبره جميع المستطلعين مشكلة كبيرة مع أرقام فاجعة لنسبة الهدر!
وعند البحث في الأسباب التي أدت الى انتشار هذه الظاهرة، فإننا سنجد ومع الأسف بعض المقولات والممارسات التي ساهمت في تفشيها وتقبلها في مزاج البعض، فهناك المقولة الشعبية «يزيد ما ينقص»، والتي يدعمها البعض بقوله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، «فجاء بعجل سمين»، وهو استشهاد في غير مكانه، إذ ليس من المعقول أن أبا الأنبياء وداعية التوحيد قد أطعم ضيوفه ثم رمى فائض الطعام، بل لابد أنه على إيمانه وجلالة مكانه قد أكرم ضيوفه ووضع أمامهم ما يملأ العين، وفي ذات الوقت راعى قيمة الطعام وأهمية النعمة ولم يرمها. وفي الفنادق والمطاعم التي تعرض بوفيهات مفتوحة، تقدم أصنافا متنوعة من الطعام، كثيرا ما تجد من لا يقبلون أن تكون أطباقهم الى نصفها مثلا، بل لابد أن تكون ممتلئة بالأصناف المختلفة، التي تصطف على الأطباق كأنها أهرامات على حد تعبير أحمد الشقيري، ولا يأكل هؤلاء منها إلا النزر اليسير ثم يلقى الفائض في النفايات.آخرون، ومن باب إعفاء أنفسهم من المسؤولية عن فائض الطعام، يفتحون الصالات بعد انتهاء المناسبة، ليدخلها العمال الذي عادة ما يكونون من البسطاء، الذين يجمعون الطعام على عجل في أكياس بلاستيكية، وهم في ذلك يخلطون جميع الأصناف على تنوعها في مكان واحد، وبطريقة غير حضارية ومنفرة، ثم قد لا يأكلون مما جمعوا إلا القليل، ويرمى الباقي.في مقابل ذلك، وسعيا الى الحفاظ على النعمة، كانت هناك بعض المبادرات الإيجابية لحفظ النعمة، حيث طبق أحد المطاعم الكويتية طريقة جديدة في تقديم الوجبات باستخدام أطباق صغيرة، بوسع المستهلك أو الزبون أن يستخدمها، وكلما فرغت يعود إلى ملئها من جديد على قدر شهيته، كما جعل توزيع الأطعمة غير المطبوخة (الزيتون، الجبنة... الخ) على شكل حصص صغيرة للحد من هدرها. وكذلك، كانت مبادرة «نعمتي» بتعاون بين مبرة البر الخيرية بقيادة رئيس مجلس إدارتها محمد يوسف المزيني والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وجمعية التميز الإنساني، تحت شعار «احفظها من الزوال»، بهدف تلبية احتياجات الأسر المتعففة من المواد الغذائية الضرورية والأساسية عبر توفير سلة غذائية متنوعة ومتكاملة، مصدرها مواد مرتجعة من التجار، صالحة للاستخدام لكنها غير صالحة للتسويق، وتعمل المبادرة على مسارات خمسة، وهي حفظ النعمة وإطعام الطعام وحماية البيئة وتقليل الهدر وتفعيل العمل التطوعي.وعودة الى دراسة «الطعام الفائض»، التي اختتمت بعدد من التوصيات للحد من ظاهرة هدر الطعام في الكويت، والتي شملت: تعزيز الدور الرسمي الحكومي في مكافحة ظاهرة هدر الطعام من خلال التوعية والتشريعات ووضع الآليات المناسبة للتعامل مع فائض الطعام، والتعاون بين الجهات الخيرية ومصادر الطعام الفائض لمساعدة الأسر المحتاجة، بالإضافة لضرورة الإرشاد والتوعية والموعظة للتخفيف من هذه العادة السيئة.
[email protected]