لم يعد ارتباط الدين الإسلامي بالجهات والمؤسسات، على تنوعها، أمرا سهلا ولا بذات الدلالة التي كان عليها في السابق، فهناك حالة من النفور لا يمكن تجاهلها أو إنكارها عند سماع الإسلام أو «الإسلامية» في أنحاء عديدة من العالم، لاسيما في تلك المناطق التي شهدت سلسلة أعمال متطرفة ارتبطت بالإسلام والمسلمين، كما لا يمكن تجاهل نتائج عشرات استطلاعات الرأي لشعوب غربية متنوعة، والتي أشارت إلى أن الإسلام هو أكثر الأديان ارتباطا بالعنف والتطرف بكل أسف، وبغض النظر عن مدى اعتبار هذه الأعمال العنيفة كردة فعل على تطرف مقابل من الغرب وصل إلى حد التدخل العسكري في عدد من البلدان الإسلامية، وازدواجية تعامل ونفاق منه في التعامل مع قضايا العالم الإسلامي.
في خضم هذا الوضع، باتت الجهات الخيرية الإسلامية في مقدمة تلك الجهات التي أصبحت تتحسس من هذا الربط بعدما تم إقحامها ظلما وعدوانا في الحرب على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر، وما تبع ذلك من الهجوم الفج على عشرات الجهات الخيرية الإسلامية بالإغلاق والتحقيق والتشكيك، والتي فند العديد منها الباحث د.محمد السلومي بمنهجيته التاريخية والتوثيقية الفذة في كتاب «ضحايا بريئة في الحرب على الإرهاب».
وقد قادت حالة الهجوم التي تواجه الجهات الخيرية الإسلامية والقطاع الخيري بشكل عام، وما تسببت به من وهن فيها، إلى أن تدفع ببعضها وبحسن نية إلى التفكير في إعادة النظر في مواثيقها وقوانينها، بل وحتى مسمياتها ذات الصلة بالإسلام، في مقابل رغبة جامحة بإدخال الإنسانية وغيرها من مفردات خيرية عالمية، لا تتعارض أصلا في مضامينها مع الدين الإسلامي، حتى تحمي نفسها من حملات التشكيك وما قد يتبعها.
وفي محاولة الإجابة على مدى ارتباط الأديان بالمؤسسات الخيرية والإنسانية، كنت قد مررت في جولة بحثية على مواقع وأدبيات ومواثيق تأسيس وقوانين مجموعة من الجهات الخيرية والإنسانية العالمية غير الإسلامية، لتتبين معي ملامح عامة ربما تكون مفيدة للعاملين بهذا المجال، وهذه أهمها:
- لا تترد بعض الجهات المسيحية أو اليهودية الخيرية بالإعلان عن البعد الديني حين تعرف بنفسها، وعلى سبيل المثال، تعلن Samaritan›s Purse أنها منظمة إغاثية من الطائفة الإنجيلية المسيحية تقدم المساعدات كجزء من العمل المسيحي وترفع شعارها Helping in Jesus Name «المساعدة باسم المسيح».
- نادرا ما يكون اسم الديانة وما يرتبط بها ظاهرا في المسمى العام للجهة الخيرية باستثناء بعض الحالات مثل: Catholic Charities USA، Jewish Funders Network، و«جيش الخلاص» The Salvation Army والتي تعرف بنفسها أنها حركة مسيحية بروتستانتية ومنظمة خيرية دولية تدار بطريقة شبه عسكرية.
- يلاحظ التفرقة بين إعلان الجهة الخيرية أنها مؤسسة دينية religious وإعلانها أنها مؤسسة تقوم على المبادئ الدينية faith based ويبدو أن أغلبية المؤسسات فعليا ينطبق عليها الوصف الثاني.
- تكاد تجمع هذه الجهات الخيرية بالنص على أنها «لا تفرق في تقديم المساعدات حسب الدين والجنس واللون».
- لم يمنع تخصص بعض الجهات في نطاق ومجال معين (الطبي مثلا أو فئات معينة كالأطفال مثلا) أن تذكر البعد الديني في عملها.
ورغم أن هذه الملاحظات تحتاج إلى الدراسة المستفيضة للخروج بنتائج أكثر علمية وشمولا وعمقا، إلا أن أهم ما يمكن استنباطه أنه رغم ما قد يحيط بالمؤسسات الإنسانية من سلبيات بسبب البعد الديني فيها، وربما مخاطر في بعض الأماكن مثل الدول الشيوعية كما حدثني أحدهم من الإغاثة الإسلامية Islamic Relief، إلا أن ارتباط العمل الإنساني والإغاثي بالأديان مسألة بارزة وفيها من الجوانب الإيجابية ما تفوق سلبياتها، كما أن تجذر القيم الدينية في كثير من المجتمعات يجعل المنظمات الإنسانية المرتبطة بالدين الأقدر في نظر البعض على إحداث تغيير اجتماعي إيجابي، وهو ما تحتاجه الجهات الخيرية الإسلامية لخدمة الإنسان والحيوان كما جاء في الحديث الشريف في كل كبد رطبة أجر.
[email protected]