سأتجاوز الحديث عن الحوافز وأنماطها، ودورها سواء على المستوى التربوي أو الإداري، والتذكير بأهميتها، من حيث إنها تسهم في زيادة الإنتاجية، ورفع مستوى الرضا الوظيفي، وتزيد من تمسكهم بالعمل، وتشجع على اكتساب المزيد من المهارات، وتنمي روح التعاون والعمل بروح الفريق.
في المقابل، فإن للحوافز جوانبها السلبية، تجعلها ضارة أحيانا، حين تتسبب في عواقب غير مقصودة، ومن أشهر الأمثلة المتكررة التي تضرب في ذلك، ما فعلته بريطانيا في الهند، حين أرادت أن تخفف من انتشار أفعى الكوبرا، فوضعت مكافأة لكل من يجلب للسلطات كوبرا ميتة، فأصبح السكان يربون الكوبرا لأجل المكافأة، ثم قاموا بإطلاقها بعد وقف برنامج المكافآت!
كذلك سذاجة الحوافز في قياسات الرأي العام حين تقدم بعض الجهات التسويقية مبالغ نقدية مقابل الإجابة على الأسئلة والتي قد تتم من المستجيبين دون تركيز، مما يسهم في وجود بيانات غير صحيحة، مما دفع الجهات الاستطلاعية المحترفة إلى رفض الحوافز إلا بضوابط، مثل الدخول بسحوبات نتائجها غير مضمونة للمستجيب، أو إتاحة فرصة التبرع لجمعيات خيرية بالنيابة عن المستجيبين والتي كانت تجربة ثرية في إحدى الدراسات التي شاركت بها مع جامعة الخليج في الكويت، حيث تبرعنا للهلال الأحمر الكويتي بالنيابة عن أكثر من 100 مستجيب وقتها!
ومن بين الأفكار المهمة التي يتم إغفالها، في موضوع الحوافز، أن الحوافز ينبغي ألا تقف وتبقى حوافز في العمل المؤسسي وفي التغييرات وحتى في التربية، وعلى سبيل المثال، أثناء ذهابي لحضور فعاليات مؤتمر في جامعة بوسطن، رأيت سيارات الشرطة وشاحنة نقل صغيرة أثناء قيامهم بتوقيف سائقي الدراجات الهوائية ممن لا يرتدون خوذة لحماية الرأس، ثم يقومون بتقديم خوذات مجانية كهدايا لهم، وهذا ولا شك أسلوب تحفيزي لتغيير السلوك، ومن المتوقع والمفترض أن يعقب الحملة ما يلي: أن يتجه كثيرون الى ارتداء الخوذة، وان تصبح هناك حالة جماعية من ارتداء الخوذة، وأن يحدث ما يعرف بتأثير الأغلبية Majority Affect، حيث تتأثر الأقلية بسلوك الأغلبية وترتدي الخوذة، ثم تأتي العقوبة التدريجية لمن لم يلبس الخوذة! ما أجملها من خطوات وعملية ذكية في تغير السلوك نحو الإيجابية!
وللمرء أن يتخيل أن تأتي العقوبة أولا دون المرور بمرحلة التحفيز، وفي هذا الإطار يضرب مثال وهو تطبيق النظام الإسلامي، فلا يمكن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، خاصة بعد فترة طويلة من البعد عنها، بمباشرة الناس بتطبيق العقوبات، فهذه سذاجة ينبغي أن يتوقف عنها حتى المتحمسون للنظام الإسلامي وتطبيقه، وفي ذات الوقت، ينبغي ألا نقع في سذاجة بعض المناهضين لتطبيق الشريعة أيضا ممن يركزون فقط على الحوافز في تغيير السلوك دون الانتقال الى مرحلة العقوبة، فهذا التوازن بين الحافز والعقوبة ينبغي أن يتم بسلاسة وذكاء، وأن يسبقها مرحلة انتقالية بالتحفيز بأمور بعضها دنيوي والأخر أخروي، وهكذا يكون التغيير دون كسل الحوافز ولا القفز إلى رهبة العقوبات.
[email protected]