سعدت بالمشاركة في المؤتمر العالمي الخامس عشر للجمعية الدولية لأبحاث القطاع الثالث International society for third-sector research (ISTR)، وهي جمعية دولية كبرى تعمل على تعزيز البحث والتعليم في مجالات المجتمع المدني والعمل الخيري والقطاع غير الربحي، وقد كانت فرصة مميزة لتناول موضوع حيوي وشائك في آن معا في جلسة بعنوان «دراسات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: بين التنظيم الحكومي والمساءلة أمام المجتمعات».
فعلى صعيد التحديات، تعاني دراسات وبحوث المجتمع المدني في الكويت من نقص المعلومات المنشورة أو قواعد البيانات الأساسية التي يمكن الارتكاز إليها للمزيد من البحوث، وأذكر أثناء كتابة التقرير الخاص بالكويت في مؤشر العطاء الخيري العالمي لصالح جامعة انديانا الأميركية حالة الارتباك والحيرة والجدل الذي دار حول توافر المصادر وإجراء بعض التقديرات للتعويض في نقص البيانات، والذي يعود بدوره إلى صعوبة الحصول على المعلومات سواء من السلطات أو مؤسسات المجتمع المدني نفسها!
من جهة أخرى، فإن هناك نقصا في التمويل للجهات البحثية، أفضى إلى غياب المراكز المتخصصة في بحوث المجتمع المدني، كما لا تتوافر فرص للمنح بما يكفي لاستدامة البحوث والفرح والاكتفاء بالبحوث الوحيدة، وهو ما أدى إلى ضعف الابتكار البحثي داخل المؤسسات، أما تلقي التمويل من الخارج حتى لغايات البحث العلمي فهو غير متاح في الكويت، كما يؤخذ على المؤسسات البحثية القائمة في الكويت أنها لم تقترب ولم تتعاون مع الباحثين في مجال المجتمع المدني بالشكل اللائق، فلم توجد جوائز ولا فعاليات ولا شراكات لبحوث المجتمع المدني بما يتوافق مع حجم الموارد الموجودة في القطاع، رغم وجود جوائز مميزة تقدمها بعض الجهات كمؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
يضاف إلى ذلك عدم الاعتراف بدراسات وبحوث المجتمع المدني كمجال عابر ومستوعب للتخصصات يؤثر ويتأثر بها، وفي الجملة، أدت مجمل التحديات السابقة إلى جعل هذا القطاع غير جذاب للباحثين في الكويت.
وفي المقابل، فإن لهذا القطاع فرصا عديدة ينبغي اقتناصها، حيث تتوافر منح بحثية متنوعة من خلال بعض الجهات، ومنها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي والقطاع الخاص والشراكة بين بعض الجهات المحلية وجهات دولية بحثية مثل هارفارد وكلية لندن للأعمال التي تتلقى أموالا من الكويت، وهناك العشرات من البحوث المشتركة مع معهد الكويت للأبحاث العلمية، وقد باتت هناك حاجة ملحة إلى إعداد دراسات أكثر تخصصا، لتحقيق فهم أعمق للمجتمع المدني، وبالذات بعد أن ظهر الدور المحوري الذي يمكن لمنظمات المجتمع المدني، ومنها المنظمات الخيرية، أن تلعبه في الأزمات كالحروب والكوارث، كجائحة كورونا، ودورها في مساندة الحكومات للتخفيف من وطأة الأزمات، كما أن التخصصات الإنسانية ذات العلاقة بدراسات المجتمع المدني وكوادرها البشرية، والتي تكفل الخروج بدراسات رصينة، متوافرة بكثرة في الكويت، مع سهولة جذب كفاءات أو استثمار الكفاءات الموجودة داخل البلاد من مختلف الجنسيات، حتى في المجال البحثي التطوعي في مختلف القطاعات، ولا يغفل وجود هامش كبير من الحرية في الكويت، والذي أتاح المجال لتنفيذ بعض مشاريع استطلاعات الرأي العالمية، مثل البارومتر العربي والذي تشرفت بالإشراف عليه مرتين لصالح جامعة برنستون الأميركية Princeton University، والتي تناولت بعض أسئلتها المجتمع المدني والخيري والثقة به، والتي تشكل بدورها سلاسل زمنية للمقارنة وليست مجرد مشروع واحد.
وقد بات الضعف في الدعم الموجه إلى بحوث المجتمع المدني دافعا إلى ضرورة تغيير مزاج المتبرع وإقناعه بأهمية دعم هذه البحوث، فضلا عن مجمل القضايا والمستجدات التي زادت من أهمية بحوث ودراسات العمل المدني، كما ينبغي أن يكون هناك اعتراف أكبر بالمجتمع المدني، خاصة بعد جائحة كورونا، نظرا لما قدمه من مساندة للمجتمع والسلطات، وان ينعكس هذا الاعتراف على مزيد من الدعم لبحوث المجتمع المدني.
[email protected]