كان لحديث أحد المحاضرين عن تجربة المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتحديدا عن فكرة مقاومة الجمعيات في البداية للإفصاح عن المعلومات وتزويدهم بكل ما يتعلق بعملهم بشفافية ومستلزمات الحوكمة، أن يذكرني بموقع مقيم الجهات الخيرية وغير الربحية Charity Navigator وما فيه من معلومات تفصيلية عن تلك الجهات وتقاريرها ومسارها وحتى رواتب قياداتها ليقدم نتيجة التقييم بنسبة مئوية إحصائية! والأكثر من ذلك بحادثة لا يمكن أن تنسى وقعت حين كنت في مؤتمر المنظمة الأميركية لبحوث الرأي العام AAPOR، أثناء الاستماع لخطاب الرئيس Presidential Speech، والذي يعد أهم فقرة في المؤتمر وربما في تاريخ المنظمة، ويوثق وينشر في مجلة المنظمة العلمية المحكمة ويتم تداوله بين المختصين، فقد بدأ الرئيس حديثه بمقطع فيديو يستهزئ بدراسات واستطلاعات الرأي العام، في مشهد صادم لهذه المنظمة التي تعتبر الأبرز على مستوى العالم من حيث العدد والإنتاج البحثي وما تقوم به من دور الأب الراعي والحارس لصناعة استطلاعات الرأي حتى وإن امتازت بالسمة الأميركية، وكان هناك أكثر من 1200 من الحضور في القاعة الكبرى، وقد أصبنا جميعا بالذهول كيف يمكن لرئيس المنظمة أن يعرض مثل هذه المقاطع، وبعد فترة وجيزة من الصمت توقف الرئيس وقال: لذلك ينبغي أن نطرح مبادرة الشفافية «ransparency Initiative»، ثم أخذ يوضح أن فكرة المبادرة تقوم على أننا سنفصح عن كل شيء في عملنا، حتى نزرع الثقة في عملنا ونواجه هذه الحملات التشكيكية التي اطلعتم على نماذجها.
طرحت فكرة المبادرة عام 2010، وفتح التسجيل لعضويتها في عام 2014، بعد فترة طويلة من المناقشات والاختبارات، وأصبح لها موقع وأعضاء، ويفتخر الأعضاء من جهتهم بأنهم منضمون إلى هذه المبادرة، وقد كان من بين أساليب التحفيز أن تتم هذه المبادرة بعد هذه الصدمة ومن دون إلزام من السلطات الرسمية، وأن تتاح عضويتها بالمجان ودون أي رسوم.
جاءت المبادرة بمنزلة نهج لتحقيق هدف علم مفتوح للبحث الاستطلاعي، ومن خلالها سعت AAPOR إلى التعرف على تلك المنظمات التي تتعهد بممارسة الشفافية في تقاريرها عن النتائج المستندة إلى الاستطلاعات، وعند القيام بذلك، لا تصدر AAPOR أي حكم بشأن جودة أو صرامة الأساليب التي يتم الكشف عنها.
ولكنها تقر باستعداد الأعضاء للكشف علنا عن إجراءاتهم، وتمحور الغرض منها حول تشجيع المنظمات والباحثين على أن يكونوا أكثر شفافية بشأن الأساليب التي يستخدمونها عند إجراء الاستطلاعات والبحوث النوعية.
وتنقسم البيانات التي يلتزم الأعضاء بضرورة الإفصاح عنها إلى فئتين، ما يلزم العضو بالإفصاح الفوري عنه عقب إنهاء الاستطلاع، مثل: من رعى وأجرى ومول البحث، وما صياغة السؤال بالضبط، وتعريف السكان، والموقع الجغرافي، ووصف إطار العينة وتصميمها وحجمها والخطأ فيها، والترجيحات والتعديلات، والنتائج المبنية على أجزاء من العينة فقط، وطريقة وتاريخ جمع البيانات.
وتشمل الفئة الثانية التي يلزم العضو بالإبلاغ عنها خلال ثلاثين يوما من إنهاء الاستطلاع كلا من: تعليمات المحاور/ المستجيب، والمحفزات ذات الصلة (إظهار البطاقات)، وتغطية إطار أخذ العينات، وطرق توظيف الفريق، وتفاصيل تصميم العينة (الأهلية، الفحص، العينات الزائدة، الحوافز)، ونماذج التصرف، وتفاصيل الترجيح والتحقق من البيانات، ومعدلات الاستجابة، وكل ما سبق إذا كانت هناك عينات أو أنماط متعددة.
أفتخر بأنه قد أتيحت لي الفرصة لتطبيق بعض ملامح وبنود المبادرة في المشاريع الاستطلاعية المتنوعة التي أشرفت عليها، والتي منها توثيق أسماء الباحثين الذين شاركوا في المسح، وتوثيق كل ما يتعلق بعملية جمع البيانات، من صور وخرائط وغيرها، بما لا يخدش خصوصية المستجيب، وبغض النظر عن تفاصيل المبادرة والتي تهم المختصين أكثر، لكن الذي يهمنا هو كيف نحول هذا المستوى من الصراحة والحوكمة والشفافية بالمعلومات من نقطة ضعف إلى قوة لا نخاف منها؟!
[email protected]