لا يقتصر التطوع على القضايا الإنسانية والعمل الخيري أو تلك المتعلقة بالكوارث والأزمات، فالتطوع يتعدى إلى جوانب ومجالات أوسع، ويخدم قطاعات أكثر من القطاع الثالث وغير الربحي والمجتمع المدني وصولا إلى القطاع الحكومي والخاص وحتى الرياضي!
وتعتبر الأزمات والمناسبات من الفرص الذهبية لجذب متطوعين، ولاسيما الجدد منهم كما أشرت لذلك من قبل في بحث «المتطوعون في الأزمات» الصادر عن مجلة مداد المحكمة، وكتاب «المتطوعون في المناسبات» الصادر عام 2021 عن المركز العالمي لدراسات العمل الخيري، وفيه الإشارة لتجربة التطوع في كأس العالم الذي انعقد في روسيا عام 2018، وكما تناول باحثون آخرون من جامعة حلوان وجامعة المنصورة الموضوع من خلال بحث «إدارة المتطوعين في الأحداث الرياضية الكبرى».
مرة أخرى، نرى نموذج التطوع الحالي في مونديال قطر 2022، ودور المتطوعين الفاعل بهذه البطولة التي تمتاز بخصوصية تنظيمها من دولة عربية واسلامية وخليجية وصغيرة، حيث انطلقت إجراءات جذب المتطوعين قبل عدة شهور من انطلاق المونديال، بإعلان اللجنة المنظمة للمونديال عن بدء استقبال طلبات المشاركة في برنامج المتطوعين خلال احتفالية خاصة، وتم إجراء مقابلات مع أكثر من 115 ألف شخص من 187 دولة تقدموا بطلبات للتطوع، واختتمت هذه المقابلات في منتصف شهر أغسطس. حيث تولى مهمة تنفيذ المقابلات متطوعون قدموا الدعم لبطولات تم تنظيمها في قطر تحت مظلة الفيفا مثل كأس العالم للأندية 2020، وكأس العرب 2021، وهو ما يعني ضمنا أن أصحاب القرار في قبول المتطوعين هم من أصحاب خبرة محلية سابقة تراعي البيئة القطرية وعلى دراية مسبقة بإدارة هذا الملف!
وضعت اللجنة مجموعة من الشروط يجب توافرها بالمتطوعين، لعل من أبرزها: بأنه يتوجب ألا يقل عمر المتطوع عن 18 عاما بحلول 1 أكتوبر 2022، بالإضافة إلى إجادة المحادثة باللغة الإنجليزية كشرط أساسي، وإجادة اللغات الأخرى كشرط تفضيلي، واشترطت اللجنة التزام المتطوعين بما لا يقل عن 10 مناوبات خلال البطولة وحددت احتمالية أن يكون يوم إجازة فقط أسبوعيا، وهو ما يعني شرط الجدية في العمل ورفض قبول من يرون في تجربة التطوع أنها أقرب لرحلة ترفيهية ومشاهدة كرة قدم عالمية! وبعد ذلك تم اختيار 20 ألف متطوع، أي ما نسبته 17.3% من عدد المتقدمين، وهو عدد أكبر من عدد المتطوعين المشاركين في مونديال روسيا 2018 حيث بلغ قرابة 17 ألف متطوع.
ولأهمية وخصوصية الحدث، شارك كل من وقع عليهم الاختيار في دورات تدريبية وتأهيلية مختلفة في مبادئ التطوع وإجراءات الأمن والسلامة والمتطلبات والمعلومات العامة ومهارات التواصل، من أجل تعامل وتواصل احترافي مع الجماهير، وشرع بعض المتطوعين في مهامهم قبل أكثر من شهر من بدء المباريات الرياضية.
قدم المتطوعون الدعم في 45 جانبا تشغيليا في المواقع الرسمية وغير الرسمية للبطولة، مثل الملاعب ومراكز التدريب، والمطار، ومناطق المشجعين، والفنادق، ومراكز وسائل النقل العام، فضلا عن بعض الأماكن السياحية مثل المتاحف، بالإضافة إلى مساعدة ممثلي وسائل الإعلام في المركز الإعلامي الرئيسي، وهكذا انتشر المتطوعون بين الملايين في مختلف فعاليات البطولة.
وبغض النظر عن الجدل حول ما يقدم للمتطوعين أو ما يتوقع وما لا يتوقع المتطوعون أنفسهم من الجهة المنظمة، فقد قدمت اللجنة المنظمة للمونديال لهم العديد من الامتيازات، من توفير الزي الخاص، ومخيمات الاستضافة، بالإضافة إلى توفير وسائل النقل الآمنة والمجانية لتسهيل مهامهم، والقيام بواجبهم لتشكل هذه التجربة فرصة أخرى للباحثين لدراسة طبيعتها وأثرها على البطولة من جهة وعلى المتطوعين من جهة أخرى، ومحاولة الإجابة على تساؤل رئيسي فيما إذا كانت تجربة مونديال قطر اختلفت عن غيرها في إدارة المتطوعين أيضا كما اختلفت في إدارة القيم!
[email protected]