مع انطلاق مسيرة العودة الكبرى للفلسطينيين مطلع هذا الشهر، واستمرار ما أطلق عليها بجمعة الكوشوك (حرق إطارات السيارات لمواجهة جنود الاحتلال على حدود غزة)، وجد الكيان الإسرائيلي نفسه أمام مظاهرات شعبية غير مسبوقة للمطالبة بحق العودة شارك فيها آلاف من الفلسطينيين.
ورغم الكلفة البشرية الباهظة لهذه المسيرات متمثلة بسقوط عشرات الشهداء وآلاف المصابين، نتيجة إطلاق قوات الاحتلال «الإسرائيلي» النار والغاز على جموع المتظاهرين، يستمر الاستفزاز الأميركي بانحيازه لـ «إسرائيل»، من خلال عادته السيئة في استخدام الولايات المتحدة لحق النقض «الفيتو» 43 مرة في مجلس الأمن الدولي لتعطيل أي قرارات تدين «إسرائيل» أو تحد من عدوانيتها، وكان آخرها اعتراض - منفردة وبشكل شاذ عن باقي أعضاء مجلس الأمن - مسودة بيان صحافي تقدمت به الكويت الى مجلس الأمن للمطالبة بتحقيق مستقل وشفاف في التطورات الدامية في غزة!
مع هذا الانحياز القديم الجديد على المستوى الرسمي الأميركي، نتساءل عن رؤية الأميركيين لما يجري بغزة، وما هو موقفهم من طرفي الصراع؟ وهل ثمة أمل في تغيرات ولو طفيفة بين الموقفين الشعبي والرسمي كما يبدو من بعض استطلاعات الرأي خلال السنوات الأخيرة؟
وردت غزة في استطلاعات الرأي الأميركية باعتبارها جزءا من الأرض التي ينبغي على «إسرائيل» إعادتها وإخلاؤها من المستوطنات لإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام والتطبيع مع الفلسطينيين والعرب، ومع أن الرأي العام الأميركي فيما يخص هذا التصور كان إيجابيا إلى حد ما، الا أنه كان سلبيا في موضوع لوم طرفي النزاع وتحميله المسؤولية حينما ينشب صراع بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي، واعتبار الاعمال العسكرية الإسرائيلية ردة فعل لما يقوم به الطرف الفلسطيني من عمليات أو أسر جنود وآخرها مسيرة العودة السلمية التي يظهرها الاعلام الأميركي وكأنها اعتداء فلسطيني متغافلين أن هؤلاء مهجرون من قراهم الفلسطينية الى أكبر سجن في العالم «غزة»، مما استوجب في الكثير من الحالات ارتفاع نسبة التأييد للعمل العسكري الإسرائيلي باعتباره «إسرائيل» الطرف المظلوم مقابل الطرف الفلسطيني البادئ الظالم!
ورغم ان نتائج استطلاعات الرأي بشكل عام تميل لمصلحة الطرف الإسرائيلي، إلا أن بعض المتغيرات ظهرت في بعض نتائج استطلاعات Pew باختلاف آراء بعض الفئات الأميركية حيال الصراع، حيث مال البيض والجمهوريون والأقل ثقافة والأكبر سنا الى التعاطف بشكل أكبر مع إسرائيل، ولوم وتحميل الفلسطينيين والعرب المسؤولية عن العنف، على عكس السود والأقلية اللاتينية والفئات الأقل عمرا.
فعلى سبيل المثال، كان من النتائج الأكثر إثارة والتي كما يبدو تختلف عن المسار التاريخي للرأي العام الأميركي، أن فئة الشباب ما بين 18-29 سنة تحمل «إسرائيل» المسؤولية أكثر في الحرب الأخيرة (2014) على غزة بنسبة 29% مقارنة بنسبة 21% ممن نسبوها الى حماس.
من جهة أخرى أظهر استطلاع غالوب Gallup المنشور بتاريخ 24/7/2014، أن 51% من الشباب ما بين 18-29 سنة قد اعتبروا تصرفات «إسرائيل» في الصراع في الشرق الأوسط غير مبررة مقابل 25% فقط من نفس الفئة العمرية، أما الفئة التي تليها ما بين 33-49 فقد اعتبر 43% أنها غير مبررة مقابل 36% اعتبروها مبررة.
وبالرغم من أن هذه النتيجة الأخيرة تحتاج إلى المزيد من الاستطلاعات لتعزيزها وللتعامل معها كحقيقة معبرة عن فئة مهمة وجيل قادم في الرأي العام الأميركي إلا أن مثل هذه النتائج الإيجابية اليسيرة لصالح الطرف العربي الفلسطيني حيال الصراع تفرض المزيد من الاهتمام والدراسة والتفسير، ومن ثم الاستخدام الاحترافي المؤثر.
في خضم هذه التغيرات في الرأي العام والحراك الديبلوماسي العربي، تحتاج جهود المدافعة عن الشعب الفلسطيني والمطالبة بحقوقه إلى لفت نظر الرأي العام للقضايا التي تحمل بعدا إنسانيا لمصلحة الطرف الفلسطيني والعربي، والتي من أبرزها حصار غزة وقضية اللاجئين والمهجرين والاغتيالات الإسرائيلية للقادة الفلسطينيين، والجدار العازل وغيرها علها تسهم في زيادة تعاطف الأميركيين، وتخفف من حدة انحياز إعلامهم، وربما تضع حدا لهذا الانسجام المؤسف بين فيتو الإدارة الأميركية والرأي العام.