«على الميدان يا حميدان» هو أكثر ما ينطبق على المتبرعين والجهات الخيرية على حد سواء في تعاملها مع التبرعات وتدفق الأموال النقدية، بمعنى انها تستعجل التنفيذ وصرف الأموال في مصارفها التي اشترطها المتبرع أو أعلنتها الجهات الخيرية لمشاريعها، فتستمر دوامة الصرف على حساب الاستدامة بالوقف والمشاريع الاستثمارية التي تقوي من عضد الجهات الخيرية وتحفظ لها استمراريتها وثباتها.
في نقاش سابق لتأسيس كرسي بحثي في جامعة أميركية، اشترطت الجامعة على المتبرعين سداد 5 ملايين دولار لتجد أموالهم طريقها في الاستثمار أو الوقف قبل بدء أعمال الكرسي، حتى لو انتظرت الجامعة هذا المتبرع لسنوات عدة لتتسلمها منه بالأقساط!
وهذا هو العرف المعمول به في أغلب الجامعات الأميركية حينما يبدي أحدهم رغبته في دعم تأسيس مركز دراسات وأبحاث وغيرها داخل الجامعة، ثم يمنح المتبرع في هذه الحالة مميزات بتسمية الكرسي البحثي باسمه أو عائلته أو شركته لإسهامه بهذا الحد الأدنى من الاستقرار المالي لهذا الكيان.
ثمة تجارب مميزة متقاربة في العالم الإسلامي بهذا السياق من خلال التشجيع على الوقف الذي يصل في أصوله لمبالغ ضخمة تحقق ديمومة وتنمية مستدامة واستقرار للجهات الخيرية، ولكن مازال الإنفاق الفوري على المشاريع الخيرية هو الأكثر تفضيلا أو ربما إلحاحا!
أحد الجهات الخيرية الكبرى تأسست في الثمانينيات، وقد وضعت نصب عينها هدفا ساميا بجمع مليار دولار كصدقات حرة قابله للاستثمار أو لوضعه في أوقاف قبل أن تبدأ مشاريعها الخيرية والدعوية العابرة للقارات، ولكن هيهات هيهات!! كان الميدان مغريا، والأزمات ضاغطة، والحاجة ملحة، فما أن جمعت أقل من عشر الهدف المرجو حتى أطلقت مشاريعها وبرامجها!
أتفهم ان هناك أولويات - في كثير من الأزمات والمجاعات - لا يصح أن نرفع شعار «علمه كيف يصطاد بدلا أن تعطيه سمكة»، فإنك إن فعلت ذلك فقد يموت الجائع وهو يتعلم ولا يأكل السمكة!
ومن هنا فإن الأجدر بالمتبرعين بعيدي النظر أن يطلقوا للجهات الخيرية عنان التصرف بأموالهم وتبرعاتهم ـ من غير المقيدة شرعا كالزكاة وكفالة الأيتام ـ بكل ثقة لتقدر أولويات صرفها وإنفاقها بل وإبداعها.