لا أخفي بهجتي كلما قرأت أو سمعت عن خطوة جديدة نحو أتمتة المعاملات والإجراءات في القطاعين العام والخاص وحتى الخيري، ليس فقط لأن التقنية والتكنولوجيا تسهل التعامل مع البيانات والأرشفة وتسرع الإنجاز والعمل وتوفر وقت المتعاملين وتكاليف تنقلهم، بل لأنها أيضا تكافح الفساد وتضيق باب الرشوة وتحد من المفسدين، حين تلغي تدخل الإنسان إلغاء كليا أو جزئيا في تنفيذ مهمات إدارية أو عملية أو اتخاذ قرار فتسير المعاملات بسلاسة دون فساد أو رشوة أو حتى العلاقات الشخصية!
تتجه الدول المتقدمة وبشكل متزايد منذ دخول عصر ثورة المعلومات إلى إدخال التكنولوجيا الحديثة في الكثير من القطاعات العلمية والصناعية والإدارية، لتحجم من التدخل البشري في إجراء المعاملات من تحت الطاولة التي يستغلها تجار حيتان تتضخم ثرواتهم مع موظفي قطاع عام تتضاعف أرصدتهم بأوقات قياسية حصلوا عليها من 50 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اضطروا لدفع رشاوى من أجل الوصول إلى الخدمات الأساسية التي يحتاجونها حسب النتائج الأخيرة لباروميتر الفساد العالمي الصادر عام 2016 من منظمة الشفافية الدولية.
وفي مؤشر مدركات الإصلاح الذي نفذه مركز الآراء الخليجية بالكويت مع جمعية الشفافية الكويتية مرتين تضمنت استمارة أسئلة المراجعين استفسارا عن مدى وضوح الإجراءات في 52 جهة حكومية، لأنه كلما كانت تلك الإجراءات معقدة ومربكة وطويلهة، كان المجال مشرعا للأبواب الخلفية، والطرق الملتوية لإنجاز المعاملات.
أثناء المشاركة في دراسة عن جريمة الرشوة سرد فريق الدراسة للمستجيبين بعض أسباب انتشار الرشوة حسب الأدبيات السابقة، وقد كان منها تعقد الإجراءات، والتي حازت نسبة موافقة عالية كواحدة من مسببات الرشوة، وأذكر ما سرده أحد الباحثين من مثال واقعي في معاملة نقل تيار كهربائي حينما أراد المستجيب أن يكمل المعاملة ويضطر لمرافقة مسؤول قطع الكهرباء عن شقته السابقة، فعرض عليه الموظف القيام بهذه المهمة لوحده مقابل «إكرامية»!!
كما دعم هذا الرأي نتائج دراسة ماجستير بعنوان «إجراءات الوقاية من جريمة الرشوة في السعودية»، حيث وافق 8 من كل عشرة ممن أجريت عليهم الدراسة من المختصين في ديوان المظالم وهيئة الرقابة والتحقيق أن تزايد الإجراءات والتعقيدات الإدارية وتسلط البيروقراطية أحد أهم أسباب تفشي الرشوة!
وحتى في مجال منح الأموال في الأعمال الخيرية، فقد اتجهت منظمات كبرى كالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية إلى حصر استقبال طلبات المنح بأنظمة إلكترونية من 136 دولة تعمل بها، كذلك الأمر في إجراءات المشاريع لمنظمات دولية حيث يشترط التقديم إلكترونيا فقط، ومن ثم يتم تقاسم التقييم إلكترونيا ومع الخبراء البشريين الذين لا يمكن الاستغناء عن دورهم وإن كانوا عرضة للتقلص يوما بعد يوم.