لا أدري إن كانت هناك علاقة طردية بين تعرض الإنسان للإهانة والضغوط في حياته – سواء بسبب ظروف نشأته أو طبيعة عمله ـ واتصافه بالغطرسة وسوء التعامل مع الاخرين، ولا سيما الضعفاء، واستقوائه لفظيا أو بدنيا على الفئات الضعيفة أطفالا أو نساء أو مغتربين لاجئين أو ذوي احتياجات خاصة؟!
إلا أن الواقع المعيش يدعم هذه الفرضية، والتي عبر عنها ابن خلدون بنظرته السوداوية في مقدمته حين قال: «العرب لا يتغلبون إلا على البسائط»، وبالتأكيد أن هذا التعميم غير صحيح حيث ان بعض المجتمعات العربية تنظر بانتقاص لمن يتجرأ على النساء وعلى الغريب والضعيف في بلدهم ولا يعدونه من الرجولة في شيء، وكما أذكر كيف كان طلاب المدارس سابقا يعيرون ويعيبون بمن استهزأ أو تعدى على العمال الضعفاء من جنسية أخرى أو من هم أقل عمرا.
الاستقواء على الضعفاء يعكس ـ في كثير من الأحيان ـ عدم المساواة في القوة الاجتماعية أو الاقتصادية بين فئات الناس المختلفة، فهو قول أو فعل مؤذ يصدر من شخص ما تجاه من يراه أضعف منه، بمختلف صوره: رجل تجاه امرأة، أو رئيس تجاه مرؤوس، أو حامل الجنسية تجاه المغترب أو اللاجئ، وقد يكون شكلا من أشكال التعبير عن انكار واقع سابق، فربما هذا المستقوي قد مر بتجارب سابقة مهينة ومؤذية لم يملك أمامها فعل شيء، وانكارا لذلك يقوم باستعراض قوته على من هو أضعف منه! وفي بعض الأحيان يكون الاستقواء صورة من صور الاحلال النفسي، بأن يستبدل المستقوي الضعيف في مكان من ارتكب فعلا خطأ بحقه، وذلك إما لعجزه أو بدافع الخوف أو نقص القدرة على مواجهة الجاني الحقيقي! فضلا عن الممارسات والمعايير الاجتماعية السائدة وأحيانا القانونية، والتي من الممكن أن توفر بيئة متساهلة ومتسامحة مع سلوكيات الاستقواء على الضعفاء!
وأيا كانت مبررات الاستقواء ومظاهره اللفظية والجسدية فإنه ليس من الشجاعة في شيء، بل خور ودناءة وجبن، حين يستعرض أحدهم جبروته على من لا يملك الدفاع عن نفسه، وانتشار هذه الظاهرة مؤشر خطير على ضعف تماسك المجتمع وغياب العدالة فيه، واستمرارها سيقود حتما إلى نتائج وخيمة على المجتمع عندما تسود القوة أسلوبا للحياة بديلا عن القانون والعدالة.
يحضرني في هذا الإطار تصور لمشروع سابق لقياس حالة العلاقات الاجتماعية «مؤشر التماسك الاجتماعي» في أحد البلدان العربية، بهدف توصيف تلك العلاقات بين فئات المجتمع المختلفة، واستكشاف تأثير الاختلافات النوعية والاقتصادية والعرقية والفكرية والجغرافية... الخ على طبيعة هذه العلاقات، سواء على مستوى الأسرة أو بيئة العمل أو الحياة العامة، بما يقود الى معرفة أفضل لمبررات السلوك الاجتماعي بوصفه أحد العوامل الرئيسة لتماسك المجتمع وقدرته على الإنتاج بسبب هذه العلاقات المتزنة بين الرجل والمرأة، العسكري والمدني، الحضري والقبلي، المواطن والوافد، الفرد والمسؤول، الأبيض والأسود...الخ.
لا بد من جملة إصلاحات في الهياكل التربوية والإعلامية والقانونية لمواجهة هذه الظاهرة من التفشي في المجتمع بشكل مؤثر وبهدف القضاء على مختلف أشكال التمييز التي تمنح غطاء مجتمعيا للاستقواء، والعمل على إشاعة ثقافة إنسانية تحترم مشاعر الانسان وكرامته وتصون حقوقه.